العبادة دائمة, وجواز ورود ناسخ ومخصص لها ومخرج لبعض الأزمان عن أن يكون مرادا كما طالبناكم في جواز تأخير البيان للأعيان سواء? فلم قلتم إنه لا يجوز إطلاق ذلك, وفيه وقع النزاع. وإنما تجوز هذه المطالبة لهم بعد كسر اعتلالهم بما وصفناه, وإلا فعلى تسليم ذلك منهم بنينا الدلالة, لا فيجب أن نبين لمن أنكر ذلك منهم فساد إنكاره لذلك وتعلله بما يصفه, وأنه لا معنى له مع قيام حجة العقل على جواز النسخ.
وكذلك وجه القدح في قولهم إن قالوا ما دل الدليل على تكراره بغير لفظ عام لا يجوز نسخه حتى يقترن به ما يوجب نسخه لا محالة أو ما يؤذن بجواز نسخه, هذا أن اتفاق الأمة على جواز نسخ ما دل الدليل على تكراره قاض على فساد ما قالوه, لأن ما دل من الأدلة على أن التكرار والدوام لا يجوز أن يكون مقرونا بما يؤذن بانقطاع التعبد به, لأن ذلك ينقض دلالة تكراره لا محالة.
وكذلك إذا قرن به ما يشعر بجواز انقطاعه نقض دلالة وجوب تكراره ودوامه, وأكثر ما نسخ في الشرع هو ما دلت الأدلة من غير ناحية اللفظ على تكراره ودوامه. ولا يجوز أن يقرن بذلك الدليل ما يوجب قطع العبادة. ولا ما يجوز انقطاعها, لأنهما ناقضات لدليل التكرار, فبطل ما قالوه من كل وجه. وهذا عندنا لأن في كل ما يقال إنه دليل على ثبوت العبادة في عموم الأمان من لفظ أو معنى يقرن باللفظ.
فأما فصلهم بين القرينتين, وأن قوله إلى أن نسخ عنكم موجب لوقوع النسخ لا محالة, وليس كذلك قوله إلا أن أنسخ عنكم, فإنه قول باطل, لأن أهل اللغة يقولون ذلك. وإن اعتقدوا أنهم ينسخون ما أمروا به لا محالة ويعتقدون أنهم قد لا ينسخون, فهو بمثابة قوله حتى أنسخ أو إلا أن أنسخ وما لم أنسخ عنكم سواء. ولأجل ذلك لم يجب أن يكون قوله: