فإن قالوا: الفرق بين الأمرين أنه قد أعلم المكلفين وجوب بناء السمع على أدلة العقل وحمله على موافقتها.

قيل لهم: وكذلك فقد أعلم المكلفين بناء وجوب العام على الأدلة الموجبة لتخصيصه وأعلمهم جواز تخصيصه له، فوجب تساوي الأمرين. وهذه الدلالة بعينها هو جوابهم عن اعتلالهم لإحالة ذلك بأنه لو سمع العام ولم يسمع الخاص لوجب عليه اعتقاد العموم. وذلك إيجاب للجهل، وذلك محال.

وعن اعتلالهم لذلك بأن لو جاز أن يسمع العام من لا يسمع تخصصه لجاز أن يسمع المنسوخ من لا يسمع ناسخه، لأننا نجوز الأمرين وعلى السامع لذلك النظر فيما يخصه، فإن وجده وإلا أوجب عمومه، وكذلك يجب عليه التمسك بحكم المنسوخ الذي سمعه وتجويز كونه منسوخًا. فإن كان قد تعبد بالعمل بالمنسوخ لزمه ذلك حتى يعلم الناسخ له، وإن سمعه يتلى وجوز أن يكون منسوخًا قد أزيل حكمه لم يجب عليه العمل به حتى يتصفح الأدلة. فإن وجد ناسخه لم يعمل به. وإن فقد ذلك علم ثبوت حكمه، وعليه البحث والنظر.

وليس ما يدعونه من وجوب اعتقاد السمع لعموم اللفظ وثبوت الحكم المنسوخ بواجب، بل عليه اعتقاده ما وصفناه. فبطل تعلقهم بذلك.

واستدلوا على ذلك - أيضًا - بأنه لو جاز ما قلناه لجاز أن يسمع الخطاب المستثنى منه من لا يسمع الاستثناء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015