واتفق القائلون بجواز تأخير بيان العام على جواز سماع العام، وإن لم يسمع خصوصه، وإن كان التخصيص واردًا، لأن فقد سماعه/ للتخصيص بمنزلة تأخير بيان التخصيص. فقال: ابن سريج يجوز سماعه للفظ العام وإن كان مخصوصًا ببعض أدلة السمع، وإن لم يسمع تخصيصه، ولم يتقدم منه نظر فيما يخصه من جهة القياس. وأن عليه إذا سمع ذلك التصفح والبحث عن أدلة التخصيص. وتجويز أن يكون قد وردت معه أو بعد وروده. فإن وجد ما يجوزه من ذلك خصه، وإن فقده قضينا بعموم اللفظ - وهذا هو الذي نختاره.
والذي يدل على ذلك اتفاق الكل على أن الله سبحانه قد خاطب بالعمومات المخصوصة بأدلة العقل المكلفين واسمعهم ذلك، وإن لم يتقدم من كثير منهم النظر فيها والعلم بها.
ولذلك قال الله تعالى: {ومَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إلاَّ اللَّهُ والرَّاسِخُونَ في العِلْمِ} يريد بذلك أنه إنما يعلمه الطالب لمعناه الراسخ في العلم. فبين بذلك أنه قد يسمعه من ليس براسخ، ولا طالب، ولم يوجب على السامع العموم الذي لم يتقدم نظره فيما يخصه من أدلة العقل والإقدام على اعتقاد عمومه قبل نظره في أدلة العقل، بل أوجب عليه جواز إخراج دليل العقل لبعضه وجواز عدمه فألزمه النظر في ذلك والفحص عنه.
وإذا كان ذلك كذلك صح - أيضًا - وجاز أن يسمعه العام الوارد في الأحكام الشرعية ولا يسمعه الخاص، ولا يوجب عليه اعتقاد عمومه والقطع على ذلك، بل يلزمه تجويز كونه مخصوصًا، والنظر هل في الشرع ما يخصه أم لا؟.
فإن وجد ذلك خصه، وإن علم فقده قضى بعمومه.