أو المنحور، فليس ابتداء هذا كله في العقل أصلاً. وهكذا الشرائع، وهكذا، جميع أفعال الخالق تعالى فانه خلق الحمار خلقا مهينا للسخرة، وخلق الفرس للركوب، وحبا صورة الإنسان بالعقل، وسلط الكلب على الظني، وأباح ذبح الحيوان دون بعض للأكل، وخلق بعض الحيوان طيارا وبعضه مائيا وبعضه طعاما لبعض ناطقا وبعضه جاهلا وبعضه ذا رجلين وبعضه ذا أرجل أربع (?) وبعضه ذا ست أرجل وبعضه ذا أكثر من ذلك وبعضه بلا رجل أيضا، وخلق الاسد شجاعا جريئا والقرد جبانا هلوعا، وخلق أشياء حادة الأبصار وخلق الخلد أعمى، وخلق ذوات السموم المؤذية للحيوان. وهكذا رتب الخالق الكريم الأشياء كلها. ويلزم من فر من هذا إلى أن النفس فعلت ذلك [؟.] في ايجاب العجز أو المسامحة في العبث على أصله للباري، تعالى عن ذلك. وقد بينا ذلك في " الفصل " بيانا شافيا. وإنما العقل قوة تميز بها النفس جميع الموجودات على مراتبها أو تشاهد بها ما مر عليه من صفاتها الحقيقية لها فقط وتنفي بها عنها ما ليس فيها. فهذه حقيقة حد العقل ويتلوه في ذلك الحواس سواء سواء وهذا التمييز هو إدراك العقل الذي لا ادراك غيره. وأما حد منفعة العقل في استعمال الطاعات والفضائل، فهذا الحد ينطوي فيه اجتناب المعاصي والرذائل، والكلام في هذا وغيره مما هو متصل [به] مستوعب، ان شاء الله تعالى، في كتابنا " في أخلاق النفس ".
وأعلم أن الاكثر من الناس جدا فالغالب عليهم الحمق وضعف العقول والعاقل الفاضل نادر وقليل البتة، وهذا يؤخذ حسا. وقد ورد النص بذلك من الخالق الأول وعن خيرته المبتعث الينا صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وإن تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله} (116 الانعام: 6) . وقال رسول الله [81 ظ] صلى الله عليه وسلم: " الناس كأبل مائة لا تجد فيها راحلة ". وأما [ما] يظنه أهل ضعف العقول من أنه عقل وليس عقلا ولا مدخل للعقل فيه فقد غلطوا في ذلك كثيرا فانهم يظنون العقل إنما هو م حيطت به السلامة في الدنيا ووصل به إلى الوجاهة والمال؛ وهذا إذا كان بطرق محمودة مما لا معصية فيه