رطل، وكلاهما لم نشاهده ولم نشاهد مثله. فليس وجودنا اشياء كثيرة مشتركة في بعض صفاتها اشتراكا صحيحا، ثم وجودنا بعض تلك الاشياء، ينفرد بحكم ما نتيقنه منها بموجب ان نحكم على سائر تلك الاشياء باستوائها في هذا الحكم الثاني من قبيل استوائها (?) في الحكم الأول. وهذه الدعوى سمجة وتحكم فاحش، وإنما يلزم هذا إذا اقتضت طبيعة ما يوجد شيء فيما هو فيه وعلمنا وجوب ذلك بعقولنا، فإذا كان ذلك، حكمنا ضرورة على ما لم نشاهد من أجزاء ذلك الشيء بحكمنا على ما شاهدناه منها، كاقتضاء طبيعة ذرع كل جسم متحرك ان يكون متناهي الاقطار، وهذا معلوم باولية العقل وموجب حكم الكمية. وكاقتضاء طبيعة بني الإنسان ان لا يتولد منه بغل ولا يحمل، ولكن جسم (?) بشكل ما، فيه نفس ناطقة تقبل التعليم والتصرف والصناعة. فليست معرفتنا بان اجسامنا متناهية لأن طبيعة العقل توجب ذلك بأقوى من معرفتنا بان جسم الفلك متناه إنما صد عندنا لأن اجسامنا متناهية، لكن الوجه الذي صح ان اجسامنا متناهية، به صح ان جسم الفلك متناه. وكذلك أيضاً علمنا بان كل شيء رخو لاقى شيئا صلبا ملاقاة شديدة صدم، فان الصلب يؤثر في الرخو ضرورة، إما بتفريق اجزائه واما باحالته عن شكله، ليس من اجل انا شاهدناه ذلك في اجسام معدودة لكن طبيعة العقل تقتضي ذلك [75 ظ] ومثل هذا كثير.

وأما ما لا تقتضيه طبيعة العقل ولا تنفيه، فانا إن وجدناه صدقناه، وإن لم نجده لم نمنع منه. فانا قد شاهدناه في الناس من لا يأكل اللبن أصلا، ولو أكله لقذف قذفا شديدا، وآخر لا يأكل الشحم أصلا، فليس من أصل وجودنا ذلك يجب أن نقطع قطعا على أن الناس أيضا من لا يأكل التمر أصلا، ولا يجب أن نمنع من وجود ذلك أصلا. وكذلك إذا وجدنا حجرا يجذب الحديد فليس يجب أن نقطع على أنه يوجد، ولا بد، حجر يجذب الناس، ولا أن نقطع أيضا أنه لا يوجد. ومثل ذلك كثير.

وأشد من هذا كله التحكم على الخالق الأول بأنه قد حرم هذا وحلل هذا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015