وقد غلط في هذا الباب جماعة من أهل مللنا وطوائف من أهل نحلتنا فاما المخالفون لنا في النحلة وهم موافقون لنا في الملة فانهم تتبعوا الفاعلين فلم يجدوا فاعلا البتة مختارا، الا جسما، فقطعوا على ان الفاعل الأول عز وجل جسم لانهم لم يشاهدوا فاعلا الا جسما. فتحفظ من مثل هذا الشغب عظم فيه غلط كثيرة من الناس. وقد أريتك الطريق التي أغروا بها فاجتنبها، وهو القول مع قيام البرهان على بطلانه ومع انه دعوى مجردة فعلى كل ذلك قد نوقضوا فيه وذلك أنهم [إن] يغالطوا أنفسهم ويغروها وتتبعوا ما وجدوا تتبعا صحيحا لم يجدوا فاعلا مختارا غير محدث وغير مركب إما من ولادة واما من رطوبات مستحيلة، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا فقد ناقضوا وأبطلوا دليلهم. وليعلموا انهم في بلية شنعاء وهم يقرون بلا خلاف منهم أن اعتقد هذا فمفارق للملة مباح دمه متبرئ من خالقه فلازم لهم إذا كان حكمهم صحيحا إذ لم يشاهدوا قط فاعلا مختارا الا مركبا من ولادة أو من رطوبات مستحيلة ان يقطعوا في الواحد الأول تعالى أنه محدث مركب والا فقد ناقضوا؛ أفلا يستحيي من له أدنى فهم وعقل من أن يشهد على نفسه بأنه ثابت على شيء باطل؟
وأما الذي غلط فيه الموافقين لنا في النحلة من اصحابنا الاخباريين فاهم تتبعوا كل موصوف في العالم فرأوه إنما استحق ذلك الاسم بصفة فيه اشتق له [74ظ] منها ذلك الاسم فقطعوا من اجل ذلك على أن الواحد الأول عز وجل ذو سمع وبصر وحياة وارادة وأنه متكلم لا يسكت، بأنه تعالى موصوف بأنه سميع بصير حي مريد له كلام، ولو انهم انصفوا انفسهم ولم يقتحموا فيما يعيرون به خصومهم لكانوا إذا فتشوا هذا التفتيش قد وجدوا يقينا انهم لا يرون أبدا ولا يشاهدون موصوفا بشيء الا وتلك الصفة عرض في الموصوف محمول وأن الصفة لا يحملها الا جوهر، على أن هذا الذي نذكر لا يتوهم متوهم في العالم رتبة سواها؛ فلازم لهم إذ لم يشاهدوا قط موصوفا بصفة الا وهو جوهر يحمل عرضا في ذاته ان يقولوا: ان الأول الذي ايس كمثله شيء جوهر يحمل الاعراض ولم يفارقها قط، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. لكنهم قد حجلوا عن هذا الخطأ وشردوا عنه، ولم يختلفوا في أن قائل ذلك معتقدا له جاحد للخالق تعالى مباح دمه، لخروجه من الملة. والعجب واقع على هؤلاء كوقوعه على المذكورين