المجنون. فمن كذب بشهادة العقل والتمييز فقد كذب كل ما أوجبت، وأنتج له ذلك تكذيب الربوبية والتوحيد والنبوة والشرائع. فاما يدخل في ذلك واما يتناقص تناقص المجنون بلسانه نعوذ بالله من الخذلان.
وبقدر هذه النتائج من هذه المعارف الأوائل يسهل بيانها وبقدر بعدها يبعد ثباتها، الا أن كل ما صح من هذه الطرائق من قريب أو من بعيد فمستو في انه حق استواء وان كان بعضه أغمض. ولا يجوز ان يكون حق احق من حق آخر ولا باطل أبطل من باطل آخر إذ ووجد فقد ثبت ووجد وما بطل وما خرج عن يقين الوجود والثبوت ولم يدخل [71 و] في يقين البطلان فهو مشكوك فيه عند الشاك، وهو في ذاته بعد إما حق واما باطل لا يجوز غير ذلك ولا يبطله تن كان حقا جهل من جهله أو تشكك من تشكك فيه كما يحق الباطل غلط من توهمه أو تشكك فيه فهذا جملة الكلام في القسم الأول.
وأما الثاني فهو الذي ذكرت لك آنفا انه يعرف بالمقدمات المنتجة على الصفات التي حددنا من انها راجعة إلى العقل والحس اما من قرب واما من بعد وفي هذا القسم تدخل صفة العلم بالتوحيد والربوبية والازلية والاختراع والنبوة وما اتت به الشرائع والاحكام والعبادات على ما قدمنا في سائر كتبنا لأنه إذا صح التوحيد وصحت النبوة وصح وجوب الائتمار لها وصحت الاوامر والنواهي عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب اعتقاد صحتها والائتمار لها في هذا القسم أيضاً يدخل الكلام في الطبيعيات وفي قوانين الطب ووجوه المعاناة والمزاج واكثر مراتب العدد والهندسة.
واعلم انه لا يعلم شيء أصلاً بوجه من الوجوه من غير هذين الطريقين فمن لم يصل منهما فهو مدع علما وليس عالما، وان ولفق اعتقاده الحق، لكنه ها هنا مبخوت، وسلامة الغرر قد وجدنا اهل الحزم لا يحمدونها، وانتظار وجود اللقطة وترك الطلب خلق ذميم مرذول ساقط جدا، وفي هذا المقلد مشابهة قوية ومناسبة صحيحة لمن هذه صنعته، بل المقلد أسوأ حالا لان تضييعه اقبح واوخم عاقبة الا ان توجب الشريعة ان يسمى عالما وان يعلم ذلك ببرهان فيوقف عند ما اوجبته