وقال ابن القيم - رحمه الله - في كلام له نفيس يضع فيه الطبيعة موضعها الصحيح، وأن الربَّ سبحانه بتصرُّفهِ فيها وتقليبه أحوالها: (يُظهر عليها أثرَ القهر والتسخير والعبودية، وأنها مصرفة مدبرة بتصريف قاهرٍ قادرٍ كيف يشاء، ليدل عباده على أنه هو وحده الفعال لِمَا يريد المدَبِّر لخلقه كيف يشاء، وأن كلَّ ما في المملكة الإلهيةِ طوْعَ قدرته وتحت مشيئته، وأنه ليس شيء يستقل وحده بالفعل إلا الله).
وذكر - رحمه الله – أن الأسبابَ هي مظهَر أفعال الربِّ سبحانه وحكمته، ومع ذلك فقد جعل سبحانه للأسباب ما يُعاوِقها ويُمانِعها ويسلبها تأثيرها، فتارة يسلب سبحانه النارَ إحراقها ويجعلها برْداً كما جعلها على خليله بَرداً وسلاماً، (وتارة يمسك بين أجزاء الماء، فلا يتلاقى كما فعل بالبحر لموسى وقومه، وتارة يشق الأجرام السماوية كما شق القمر لخاتم أنبيائه ورسله، وفتح السماء لمصعده وعروجه، وتارة يقلب الجماد حيواناً كما قَلَبَ عصا موسى ثعباناً، وتارة يغير هذا النظامَ ويُطْلِع الشمسَ من مغربها كما أخبر به أصدق خلقه عنه، فإذا أتى الوقت المعلوم فشق السموات وفَطَرها، وَنَثَر الكواكبَ على وجه الأرض، ونَسَفَ جبالَ العالَم ودَكَّها مع الأرض، وكوَّرَ شمسَ العالَم وقَمَرَه، ورأى ذلك الخلائق عياناً .. ظهرَ للخلائق كلهم صدقه وصدقَ رسله وعموم قدرته وكمالها، وأن العالمَ بأسره منقادٌ لمشيئته، طوْع قدرته، لا يستعصي عليه انفعاله لما يشاؤه ويريده