بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فاتحة الكتاب
الحمدُ للَّه مُسْتَحِقُّ الحمد على تمام الرحمة، وسُبُوغ النعمة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الكاشفِ للغُمَّة، والنَّاصحِ للأُمَّة، ابتعثه رَبُّه بالكتاب المبين ليكون للبشرية عِصْمَةً من ضلال، وأمانًا من خوف، ومجازًا إلى خير الدنيا، وحُسْنِ ثوابِ الآخرة.
وبعدُ، فربما كان للقُرّاء عَجَبًا أن تنبعث همتُنا إلى تصنيف سِفْرٍ في إعراب القرآن المجيد بآخِرَةٍ من الزمان، وأَنْ نَنْهَد إلى ارتكاب طريقٍ ليس الغَرَضُ فيها بقريب، ولا السَّفَرُ فيها بقاصِد. هذا إلى أنه ضَرْبٌ من التصنيف تزاحمت عليه أقلام ثُلَّةٍ من الأَوَّلين وكثيرٍ من الآخرين، فالقُرَّاء أَحِقّاءُ أن تَتَخالَجَهُم نوازعُ الدهشة والتسآل: هل ثَمّة بعدما قيل في هذا الباب ما هو حقيقٌ أن يُقال؟ ويقينُنا أن ذلكُم السؤالَ واردٌ بلا جدال، ولا بُدَّ في أمره من بيان تَضِحُ به الرؤية، وتستبينُ المقاصد؛ فالحقُّ أنَّ إحساس الحاجة إلى مثل ما نحن بسبيله لم يكن نتيجَ السَّاعة، وإنما هو من رواقد الذِّهنِ التي طَفِقَت تجيشُ به آنًا بعد آن كلما أَجاءَتنا إلى تَصَفُّح المتداوَلِ من مُصنَّفات هذا الباب ضرورةٌ من ضرورات المُدارَسة، أو عَرَض لنا سؤالٌ من طالب علم؛ إذ اجتمع لدينا من المَلَاحِظ والمُسْتَدْرَكات ما أَيْقَظ في أنفسنا تَطَلُّعًا إلى سُهْمَةٍ جديدة، تكون تصديقًا لما بين يديها فيما ترضاه، ومُهَيْمِنةً عليه فيما تُعَدِّل أو تستكملُ أو تُضيف.
ولقد كان وُكْدُنا أن نُخْرِجَ للناس كتابًا يَغْنَى به قارئُه عمّا سواه، ولا يُغْني غيرُه غناءَه، وحَقٌّ علينا أن نسوق على ما ذكرنا من البرهان ما يستقيم به الدليل، وتستبينُ السبيل.
فأمَّا كُتُب إعراب القرآن عند المتقدِّمين فهي عندنا أُسّ الأساس، وعُمْدَة العُمَد،