الرضىّ، وشيخ الشيعة ورئيسهم بالعراق، وكان مع تشيعه معتزلياً مبالغاً فى اعتزاله، وقد تبحَّر - رحمه الله - فى فنون العلم، وعُرِف بالإمامة فى الكلام والأدب، والشعر، وأخذ عن الشيخ المفيد، وروى الحديث عن سهل الديباجى الكذَّاب، وله تصانيف كثيرة على مذهب الشيعة ومقالة فى أصول الدين، وله ديوان شعر كبير، وله كتاب "الأمالى" الذى سمَّاه "غُرَر الفوائد ودُرَر القلائد"، وجمع فيه بين التفسير الاعتزالى، والحديث، والأدب، وهو ما نحن بصدد الكلام عنه الآن، واختلف الناس فى كتاب "نهج البلاغة" المنسوب إلى الإمام علىّ بن أبى طالب، هل هو جمعه؟ أو جمع أخيه الشريف الرضىّ؟. وبالجملة فقد كان الشريف المرتضى إمام أئمة العراق، يفزع إليه علماؤها، ويأخذ عنه عظماؤها. وكانت ولادته سنة 355 هـ (خمس وخمسين وثلاثمائة من الهجرة) ، وتوفى سنة 436 هـ (ست وثلاثين وأربعمائة) ببغداد، ودُفن فى داره عَشية يوم وفاته، فرضى الله عنه وأرضاه.

* *

* التعريف بهذا الكتاب وطريقة مؤلِّفه التى سلكها فى التفسير:

كتاب غُرَر الفوائد ودُرَر القلائد، كتاب يشتمل على محاضرات أو أمالى، أملاها الشريف المرتضى فى ثمانين مجلساً، تشتمل على بحوث فى التفسير والحديث، والأدب، وهو كتاب ممتع، يدل على فضل كثير، وتوسع فى الاطلاع على العلوم، وهو لا يحيط بتفسير القرآن كله، بل ببعض من آياته التى يدور أغلبها حول العقيدة، وعلى ضوء ما فسَّره من الآيات نستطيع أن نلقى نظرة فاحصة على تفسير المعتزلة للقرآن فى ذلك العصر، كما نستطيع أن نقف على مبلغ جهود الشريف المرتضى للتوفيق بين آرائه الاعتزالية وآيات القرآن التى تتصادم معها.

ونحن إذ نتكلم عن أمالى الشريف المرتضى لا نتكلم عنها إلا من ناحية ما فيها من التفسير، أما الناحية الحديثية والأدبية فلا تعنينا فى هذا البحث، وإن كان لها قيمتها ومكانتها العلمية بين رجال الدين والأدب.

نتصفح كتاب الأمالى، ونجيل النظر بين ما فيه من بحوث فى التفسير، فنجد السيد الشريف يسعى بكل جهوده إلى الوصول إلى مبادئه الاعتزالية عن طريق التفسير، مستعيناً فى ذلك بنبوغه الأدبى، ومعرفته بفنون اللغة وأساليبها، حتى إننا لنراه يقف من الآيات التى تعارضه موقفاً يلتزم فيه مخالفة ظاهر القرآن، ويُفَضِّل فيه التفسير الملتوية لبعض الألفاظ على ما يتبادر منها إرضاء لعقيدته، وتمشياً مع مذهبه.

وإليك بعض الأمثلة من تفسيره للآيات التى تدور حول العقيدة، لتقف على حقيقة الأمر، ولتلمس مقدار هذا التعصب المذهبى عند هذا الشريف العلوى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015