ونلاحظ أنّ الخضر عليه السلام لا ينسب معرفة حقيقة أعماله الثلاثة إلي نفسه، فما كان الخضر بنفسه ليري الملك يصادر السفن، وما كان الخضر بنفسه ليري مستقبل الغلام، وما سيكون عليه بعد عشرين سنة. وما كان الخضر بنفسه ليري كنزا وضع تحت الجدار قبل سنين! إنما أراه الله ذلك، وعرّفه الله تلك الحقائق، وكشف له عن تلك البواطن الخفية، وأمره الله أن يفعل ما فعل، ليحقق تلك الحكم الخفية، أمره الله بخرق السفينة لتنجو من الملك، وأمره الله بقتل الغلام ليستريح أبواه من كفره، وأمره الله ببناء الجدار ليأخذ الغلامان الكنز عند ما يكبران.
ولهذا قال لموسي عليه السلام: وما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي. أي: لم أفعل هذه الأفعال الثلاثة باجتهاد مني، إنما فعلتها بأمر من الله.
شمول أعماله للماضي والحاضر والمستقبل:
وإذا نظرنا في أفعال الخضر الثلاثة، وتأويله لها، فإننا نراها قد استوعبت أطراف الزمان كلها! الزمان إمّا ماض، وإما واقع حاضر، وإمّا مستقبل.
ولقد أري الله الخضر الحقيقة في أطراف الزمان الثلاثة، فقام بتأويل الظاهر إليها، وحمله عليها!! وقوف الملك في موقع متقدم لمصادرة السفن الصالحة، يمثّل فترة الزمان الحاضر، فهو موجود واقف في نقطته وموقعه، وإن لم يشاهده أصحاب السفينة، لأنهم في طريقهم إليه، إنهم لم يروه بعد، ولكنّ الله أري الخضر إياه مع عصابته! وكون الغلام سيكون كافرا عند ما يكبر، يمثّل المستقبل، أو فترة الزمان القادمة، وهذا غيب لا يعلمه بشر، وعلمه خاصّ بالله، ولا يعرف الناس كيف سيكون مستقبل هذا الغلام، وقد أطلع الله الخضر علي هذا المستقبل!