وبناء الجدار مجانا للقوم البخلاء، في ظاهره مرفوض، يدعو للإنكار، لكنّ حقيقته تدعوني إلي فعله. إن الجدار لغلامين يتيمين في المدينة، وكان أبوهما صالحا، وقد أخفي لهما كنزا تحت الجدار قبل موته، فلو تركت الجدار يسقط وينهار، لظهر كنز الغلامين، ولاستولي عليه أهل المدينة، فبنيته إلي أن يكبر الغلامان، ويبلغا أشدهما، ويستخرجا كنزهما. هذه حقيقة فعلي! هذا هو تأويله!! إنّ الله هو الذي أعلمني بحقيقة الأعمال الثلاثة، تلك الحقيقة التي خفيت عليك، فبقيت أنت عند ظاهر هذه الأعمال، أما أنا فلاحظت حقيقتها، وحملتها عليها.
وبهذا التأويل من الخضر لأعماله الثلاثة، وكشفه عن حقيقتها، عرف موسي- وعرفنا معه- أنّ الخضر كان علي صواب فيما فعل، وأنّ أفعاله الثلاثة لا تدعو إلي الاعتراض أو الإنكار!!
نصّ الآيات:
نتدبّر الآيات التي عرضت قصة موسي مع الخضر عليهما السلام، لنعرف موقع التأويل فيها:
قال تعالى: وإِذْ قالَ مُوسي لِفَتاهُ: لا أَبْرَحُ حَتَّي أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ، أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً. فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً. فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ: آتِنا غَداءَنا، لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً. قالَ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَي الصَّخْرَةِ، فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، وما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، واتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً. قالَ: ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ، فَارْتَدَّا عَلي آثارِهِما قَصَصاً. فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا، آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا، وعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً.