فقالا: «بتأويله» وليس: بتأويلها. مع أنّ الكلام عن الرؤيا، ويكون الضمير العائد علي الرؤيا مؤنثا.
والمراد: نبئنا بتأويل المنام، أو: نبئنا بتأويل الكلام الذي ذكرناه لك.
وتأويل الرؤيا هنا: هو ردّ الرؤيا المنامية إلي حقيقتها الواقعية، وبيان مصيرها ومآلها المادي، وذكر ما تنتهي إليه هذه الرؤيا، وتستقر عليه، في مستقبل حياة السجينين، وتحديد مدلولها العملي.
ولما ردّ عليهما يوسف عليه السلام أخبرهما بعلمه بتأويل الرؤيا، وطمأنهما إلي قيامه بذلك في أسرع وقت، ولكنه أراد أن يقدّم لهما دعوته، وأن يعرّفهما علي دينه، وأن يذكر لهما كفر قومهما، وأن يجعل هذا كله تمهيدا لتأويل الرؤيا.
فقال لهما: لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما، ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي.
ليس الكلام عن تأويل أصناف الطعام- كما فهم كثير من المفسرين- فأن يتوقع أصنافا معينة للطعام، ثم تأتي الأصناف كما توقعه وحدّده، ليس تأويلا للطعام، لأنّ المؤول، هو الذي يأتي بالطعام فعلا، وليس الذي توقعه، إنّ الذي يقدّمه ويأتي به هو الذي يحقق صورته المادية الحقيقية.
إنما أراد يوسف عليه السلام أن يطمئنهما علي تأويله لرؤياهما، وأن يؤكد لهما ذلك، فأخبرهما أنه سيقوم به بأقرب وقت، لكنه يريد أن يحدثهما قبل تأويل الرؤيا عن الإيمان والتوحيد والشرك.
قال لهما: لا يأتيكما طعام ترزقانه، ولا تصلكما وجبة الطعام القادمة المحددة، إلا أكون قد نبأتكما بتأويل المنام والكلام والخبر، قبل وصول ذلك الطعام إليكما.