التفسير

172 - (لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ .... ) الآية.

بعد أَن أَثبتت الآية الكريمة السابقة - الدليل الواضح - تنزيه الله تعالى، عما أَلصقوه به - جاءَت هذه الآية، استئنافا مقررا لهذا التنزيه، ومؤكدا له. إذ نفت أَن يأنَفَ عيسى عليه السلام - الذي رفعوه إِلى الأُلوهية - من أَن يكون عبدا لله.

(لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ):

أَي: لن يأْنَف مَن وصفتموه بالأُلوهية، وأَنه ابن الله، من أَن يكون عبدًا لِله، ولن يترفع عن ذلك؛ لأَنه شرف عظيم يفخر به المخلصون.

(ولَاَ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ):

أَي: ولا الملائكة المقربون عند الله، ومنهم الروح الأَمين: جبريل عليه السلام، لا يأْنفون من أَن يكونوا عبيدا لله، ولا يترفعون عن ذلك، لأَنهم مفطورون على الطاعة.

(لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (?).

والمقصود بهذا الاستطراد: تقوية الردّ على النصارى وتأْكيده، حيث زعموا أَن عيسى إِله مع الله، فلن يكون عبدا لله.

ولما كان منشأُ ذلك عندهم أَنه خُلق من غير أَب، بيَّن الله لهم أَن الملائكة خُلِقوا من غير أَب ولا أُم، ولهم عند الله تلك المكانة العالية، وأَنهم أَكمل حالًا في العلم بالمغيبات، وفي القدرة على حمل ما لا يستطيعه البشر، وهم - مع ذلك - لا يأْنفون من وصفهم بالعبودية، بل يعتزون بأَنهم عباد الله ... فكيف يأْنف عيسى من ذنك؟!

والعبودية لله أَعلى مراتب الشرف، وأَعظم درجات الكمال.

وإِن كانت الشبهة التي عليها يعولون في إِثبات أَن المسيح ابن الله، هي أَنه كان يخبر عن المغيبات، وكان يأْتي بخوارق العادات، فتلك شبهة واهية؛ لَأنه لم يكن - في ذلك - بدْعًا من الرسل، فقد أجرى الله على يد غيره من الَأنبياءِ كثيرا من خوارق العادات.

والمعنى: لا أَحد يأْنف من ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015