(وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ):
أَي: وعيسى كلمةُ الله، أَي إِنه تَكوَّن في بطن أُمه، وَوُجِدَ بسبب كلمة الله وأَمره: (كُنْ) كما قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)}. (?) من غير سبب مادي من وجود زوج، كما جرت به سنة الله في توالد بني آدم.
(وَرُوحٌ منْهُ):
أَي: إِن عيسى تَكوَّن في بطن أُمه، ونشأ فيها بنفخ الله تعالى - الروح فيه.
وكما أَن عيسى من روح الله، فإن آدم وسائر ذريته من روح الله تعالى - التي خلقها وأَودعها في كل كائن حي، كما قال تعالى: "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ" (?).
وحديث: "إِن أَحدَكُم يجمعُ خَلْقهُ في بَطنِ أُمهِ أَربعينَ يَوما نُطفةً، ثمَّ يكونُ عَلقةً مِثْل ذلك، ثم يَكُون مضغةً مِثْل ذلك، ثُم يَبعثُ اللهُ إِليهِ مَلَكًا، ويُؤْمر بأَربعِ كلماتٍ يُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَملَه ورِزقَه وأَجلَه وشقيٌّ أَو سعيدٌ، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجلَ منكم لَيَعملُ بعملِ أَهلِ الجنَّةِ حتى لا يكونَ بينَهُ وبينهَا إِلا ذِراعٌ فَيسبِقَ عليهِ الكِتَابُ فَيعْمَلَ بعملِ أَهلِ النارِ فيدخلَ النارَ، وإِنَّ الرجلَ لَيعمَلُ بعملِ أَهلِ النارِ حتى ما يكونَ بينَه وبينَها إِلا ذِراعٌ فَيسبِقَ عليهِ الكِتابُ فَيعملَ بِعَملِ أَهلِ الجَنَّةِ فيدخلَ الجَنةَ" (?).
ولما لم يتكون عيسى - عليه السلام - من نطفة أَب وإِنما تكون من نفخة بإِذن الله - وصف بأَنه: روح.
ومعنى (مِنْهُ): أَي من الله. أَي كائنة من الله، تشريفًا وتفضيلا له، وهذا وجه من وجوهٍ وردت في بيان معنى الروح، ومنها: أَن معنى الروح؛ الرحمة والنعمة من الله على عباده، أَي أَن عيسى - عليه السلام - لما كان رحمة من الله لقومه، ونعمة عظيمة