وأَهل الكتاب: لفظة تعم اليهود والنصارى، ولكن سياق النص هنا، يخصصها بالنصارى أَما اليهود، فقد سبق الحديث عن غلوهم في شأْن عيسى، إِذ بالغوا في الطعن فيه، وغلوهم في دينهم، إِذ قالوا لموسى: " {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً} (?) وقولهم: " ... عُزَيْرٌ ابْنُ اللَهِ ... " (?) وغير ذلك من جرائمهم التي لا تُحْصَى.
وغُلوّ النصارى في دينهم: أَنهم أَفرطوا في تقديس عيسى عليه السلام - حتى أَخرجوه من مرتبة البشرية، واتخذوه إِلها من دون الله، وجعلوه ابنًا لله.
وفي نداءِ الله إِياهم بأَهل الكتاب: غايةُ التوبيخِ والتقريع لهم، إذ مقتضى أَنهم أَهل كتاب أَن يتدبروا كتابهم المنزلَ على رسولهم، ويتأَملوا ما فيه. وهو - بلا ريب - ليس فيه شيء مما يدَّعون ويفترون ولكن العصبية الحمقاء تعمى عقولهم.
(وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ):
أَي: ولا تفتروا على الله كذبا لا أَساس له، ولا دليل يعتمد عليه وهو قول النصارى: " ... الْمَسِيحُ ابنُ اللهِ ... " (?) وهذا القول يناقض الدليل الواضح، والحق الثابت؛ إِذ الإِلَه لا يلد، ولا يولد، فإِن ذلك أَمارةُ الحدوث، وعلامةُ الاحتياج.
والتعبير بلفظ (عَلَى): إِشارة إِلى أَن ما قالوه، افتراءٌ على الله، وجرم شنيع في حقه تعالى.
ولمَّا نهاهم عن الغلو والافتراءِ على الله، بيَّن لهم ما هو الحق بقوله تعالى:
(إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ):
أَي: ما عيسى ابن مريم إِلا رسولٌ، وليس إلها من دون الله، ولا ابنًا لله، كما تدّعُون.
وفي قصْر عيسى على الرسالة - كما فهم من أُسلوب الآية - زجرُ شديد لهؤُلاءِ الذين يقولون على الله غير الحق، وإِشعارٌ بأَنهم قوم مفترون.
وفي ذكر اسمه: عيسى. وفي نسبته إِلى أُمه: مريم - إِشارةٌ إِلى أَنه إِنسان ككل الناس ولدته أنثى، كما أَن في هذه النسبة أَيضا، تكذيبًا لمن نسبوه إلى يوسف النجار.