القرآن هو المصدر الأول للعقيدة والشريعة الإسلامية، لهذا عني به علماءُ المسلمين منذ عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى الآن تلاوة وتدبرًا، ودراسة من جمع نواحيه:
البلاغية والتشريعية، والاجتماعية والخُلقية والعلمية.
وهو المعجزة الكبرى لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ودستور العفيدة والشريعة والاخلاق لأُمته.
والقرآن الكريم في أعلى درجات البلاغة، بحيث لا تصل إِلى مثله قدرة البشر؛ ومع هذا فقد كان ميسر اللهم للعرب الذين نزل بلغتهم، وقلما كانوا يحتاجون إلى بيان مَقصد غامض فيه، فإذا جدَّ لهم ذلك سألوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ببانه عملا بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (?)
ومن ذلك أنه لما نزل في إباحة الفطر في ليالى رمضان قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (?). سأل عدى بن حاتم رسول الله عن الخيطين، فقال: هما بياض النهار، وسواد الليل.
ولما اتسعت الفتوح الإسلامية، واختلط العرب بالأعاجم، فسدت عروبتهم بما شابها من لغات هؤُلاء الأعاجم، وأُترف المسلمون، فأصابتهم أمراض الترف، من ضعف في التدين، ثم اقتراف للمآثم وإشاعة للبدع. فخاف المصلحون من العلماء الأَعلام على كتاب ربهم أن يفسره من لا يحسن تفسيره، أو من يزيغ به عن معناه لغرض في نفسه، كبدعة يريد ترويجها، فألفوا التفاسير، ووضعوا قيودًا وشروطًا للمفسر، لا يصح تجاوزها، حتى يسلم كتاب الله من التأويلات الفاسدة، الناشئة عن الجهل، أو مرض القلوب.
وأول المبينين هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد شرح من الآيات ما التبس فهمه على أصحابه، ثم تلاه بعض أصحابه، ثم تدفق الخبر من التابعين ومن يليهم، ممن آتاهم الله بسطة في العلم، ورسوخا في الإيمان.