ومن أبرز مفسري الصحابة: عبد الله بن عباس، فقد عُرِف- لدقة فهمه، وصدق حسه - بأَنه ترجمان القرآن، وأنه حبر الأُمة.
روى البخاري عن دقة فهمه أَنه قال: "كان عمر يدخلنى مع أشياخ بدر، فكأَن بعضهم وجد فى نفسه، فقال: لِمَ يدخل هذا معنا، وإِن لنا ابناء مثله؟
فقال عمر: إِنه ممن علمتم، فدعاهم ذات يوم فأدخلهم معه، فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم، فقال: ما تقولون في قول الله تعالى: {إذَا جَاء نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ}؟ فقال بعضم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره، إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا. فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجَلُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أعلمه له، قال: إذا جاء نصر الله والفتح، فذلك علامة أجلك، فسبح بحمد، بك واستغفره إنه كان توابًا، فقال عمر: "لا أعلم إلا ما تقول".
وقد كثرت الروايات عنه عناية بآرائه.
وما يروى له من اختلاف في الرأى في المسألة الراحدة أحيانًا، فإن مرجعه إلى اختلاف الروايات قوة وضعفا، أو أنه بدا له فيها من الأدلة ما لم يبد له أولًا، فعدل إلى ما رآه راجحًا، وذلك حق الله على كل مجتهد.
وقد عرف بالتفسير من الصحابة أيضًا: الخلفاءُ الأربعة، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأَبو موسى الأشعرى، وعبد الله بن الزبير، وغيرهم. ولم يتوقف أحد في قبول تفسير الصحابة وإنما الأمر في التابعين.
وقد وقع الإجماع على وجوب تفسير القرآن بما صحت روايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أما ما روى عن الصحابة في تفسيره، فقد أخذ به الكثيرون: لسلامة عروبتهم ودقة فهمهم، واحتمال سماعهم من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن الأئمة من كان يأخذ في فهم الآية بما رجح عنده من أدلة الرجحان، وإن خالف به فهم الصحابي، ما دام لم ينسبه الصحابي إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكما اجتهد الصحابة في فهمه، يجتهد غيرهم من أثبات العلماء؛ أهل الاقتدار وسلامة الدين.