والمقصود من ذكرهم له قائمين وقاعدين ومضجعين على جنوبهم: أن يذكروه في كل حال حسب الإِمكان، حتى يخشوه في تصرفاتهم.
وتخصيص هذه الأحوال الثلاثة بالذكر؛ لأنها هي المعهودة التي لا يخلو عنها الإِنسان غالبًا. فكما يذكرونه فيها يذكرونه في غيرها. كالمشي والسباحة ونحوهما. ومعنى هذه الآية، مرتبط بما قبلها عل النحو الآتي:
المعنى: إن في خلق السموات والأرض - وما فيه من الإبداع والإحكام، والحِكَمِ والمنافع، وفي اختلاف الليل والنهار لَعَلَامَاتٍ واضحات لأصحاب العقول على وجود رَبٍّ لهذا الكون: واحد عظيم. وأدلةً شاهدات له بكل كمال، وتنزهه عن كل نقص.
وأولو الألباب - هؤلاء - هم الذين يتذكرون الله في كل حال، بعد أن أثرت آياته في نفوسهم، وهدت إلى معرفته عقولُهُم، وجعلتهم يجددون التفكر في خلق السموات والأرض ليزدادوا معرفة بخالقها، وإيمانًا واثقًا بمبدعها، وخشية من التقصير في واجبات مدبرها.
فالعلم: يهدى إلى قوة الإيمان والخشية من الديان: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (?).
وهكذا شأن القرآن: يشيد بالعقل ويرفع قدره، ويحضُّ على المعرفة والنظر في الآيات.
وشأن الإِسلام يقوم: على دعائم العقل والعلم والعرفان. ولا يرضى بالجمود والتقليد الذي عليه أرباب الأديان المختلفة.
{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا}: ليس المراد أنهم يقولون هذه الجملة الدعائية - وما يليها - بالنص الحرفي، بعد تفكرهم في خلق السموات والأرض، بل المراد: أنهم يعبرون عما ينفعل في نفوسهم من مشاعر الإقرار بقدرة الله وحكمته، ووجوب الإِيمان به تعالى وباليوم الآخر، وما حول ذلك من الحمد والثناء والإنابة.