امرئ منا فرحَ بما أتي وأحب أن يحمد بما لم بفعل - معذباً؛ لنُعَذَّبنَّ أجمعون. فقال ابن عباس: وما لكم وهذه! إنما نزلت هذه في أهل الكتاب.
ثم تلا ابن عباس: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}. وتلا ابن عباس {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
وقال ابن عباس: سألهم النبي صلى الله عليه وسلم، عن شيء فكتموه، وأخبروه بغيره، فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه. وفرحوا بما أتوا من كتمانهم ما سألهم عنه.
وَرَوَى نحوه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي وغيرهم.
وقيل: نزلت في المنافقين: لِمَا رواه البخاري ومسم وغيرهما - واللفظ للبخاري عن أبي سعيد الخُدري: أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله - عليه وسلم، كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الغزو تخلفوا عنه؛ وفرحوا بمقعدهم. خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الغزو، اعتذروا إليه، وحلفوا وأحبوا أن يُحمَدُوا بما لم يفعلوا. فنزلت: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ... } الآية.
وعلى هذا، فالمراد من حُب المنافقين أن يحمدوا بما لم يفعلوا: أنهم أرادوا أن يحمدهم المؤمنون بسرورهم الذي أظهروه نفاقاً بنصر المؤمنين، ولم يكن سرورًا نابعًا من قلوبهم. فاعتبره الله تعالى في حكم المنفى.