النبوة ويشكك فيها، وأَن تجويزه يمنع الثقة بالشرع، وأُجيب بأَن الحديث صحيح وغير معارض لنص، ولا يلزم عليه حط منصب النبوة والتشكيك فيها؛ لأَن الكفار أَرادوا بمسحور أَنه مجنون، وحاشاه، أَو مرادهم أَن السحر أَثر فيه وأَن ما يأْتيه من الوحي تخيلات السحر، وهو كذب أَيضًا؛ لأَن الله عصمه فيما يتعلق بالرسالة، وقال القاضي عياض: قد جاءَت روايات حديث عائشة مبينة أَن السحر إِنما تسلط على جسده الشريف وظواهر جوارحه لا على عقله وقلبه واعتقاده.
وأَنكر بعضهم أَصل السحر -ونفى حقيقته، وأَضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها.
ومذهب أَهل السنة وعلماءِ الأُمة على إثباته وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأَشياءِ؛ لدلالة الكتاب والسنة على ذلك ولا يستنكره العقل.
قال الزمخشري: ومعنى الاستعاذة (شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) أَن يستعاذ من عملهن الذي هو صنعة السحر، ومن إِثمهن في ذلك، وأَن يستعاذ مما يصيب الله به من الشر عند نفثهن.
ويجوز أَن يراد بالنفاثات: النساءُ الكيّادات من قوله تعالى: "إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ" (1) تشبيهًا لكيدهن بالسحر والنفث في العقد، أَو اللاتي يَفْتِنَّ الرجال بتعرضهن لهم وعرض محاسنهن عليهم.
وقيل: المراد من النفاثات في العقد: من يمشي بين الناس بالنميمة ليقطعوا روابط المحبة ويبدوا شمل المودة، وقد شبه عملهم بالنفث وشبهت رابطة الوداد بالعقدة، والعرب تسمى الارتباط الوثيق بين شيئين عقدة، كما سمي الارتباط بين الزوجين (عقدة النكاح) (أهـ: كشاف).
5 - (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ):
أَي: ونستعيذ بك ربنا من شر حاسد إِذا حسد، أي: إِذا أَظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه بترتيب مقدمات الشر ومبادئ الإِضرار بالمحسود قولًا وفعلًا، ومن ذلك
-
(1) من الآية 28 من سورة يوسف.