وتلك العظمة التي هي وراء ما يخطر بالبال، فيستحي ويهرع إلى الاستغفار، وقد صح أنه -عليه الصلاة والسلام - كان يستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة، وتقديم التسبيح ثم الحمد على الاستغفار قيل: على طريقة النزول من الخالق إلى الخلق، كما قيل: ما رأيت شيئًا إلَّا وجدت الله قبله؛ لأن جميع الأشياء مرايا تجليه - جل جلاله - وذلك لأن في التسبيح والتحميد توجهًا بالذات لجلال الخالق وكماله، وفي الاستغفار توجهًا بالذات لحال العبد وتقصيراته، ويجوز أن يكون تأْخير الاستغفار عنهما لما هو مقرر من مشروعية تعقيب العبادة بالاستغفار، وقيل: في تقديمها عليه تعليم أدب الدعاء، وهو ألَّا يسأَل فجأَة من غير تقديم الثناء على المسئول منه (إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) أي: إنه سبحانه منذ خلق المكلفين تواب، أي: كثير القبول لتوبة عباده، فليكن المستغفر التائب متوقعا للقبول، فالجملة في موضع التعليل لما قبلها، واختيار: (تَوَّابًا) على (غَفَّارًا) مع أنه الذي يستدعيه ظاهرًا قوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرْهُ) للتنبيه -كما قال بعض الأَجلة- على أن الاستغفار إنما ينفع إذا كان مع التوبة؛ لأَن المطلوب طلب وقاية شر الذنب الماضي بالدعاء والندم عليه، ووقاية شر الذنب المتوقع بالعزم على الإقلاع منه، وهذا هو الذي يمنع الإصرار والله أعلم.