من أَحداث وعبر يستدل بها على قدرته وبالغ حكمته وواسع علمه، وكان الكفار في الجاهلية ينسبون أحداث الزمان ونوائبه وكوارثه إلى الدهر، فيقولون: هذه نائبة من نوائب الدهر، وهذا زمان بلاءٍ وعناءٍ، فأرشدهم - عز وجل - إِلى أَن الدهر خَلْقٌ من خلقه، وأن الزمان ظرف تقع فيه الحوادث خيرها وشرها، فإِذا وقعت للمرءِ مصيبة فبما كسبت يداه، وليس الدهر فيها من سبب.
2 - (إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ):
أَي: إن كل إِنسان لفي نوع من الخسران لغلبة الأهواءِ والشهوات والرغبات والمطامع عليهم في أَعمالهم ومساعيهم، وصرف أَعمارهم في مطالبهم التي لا ينتفعون بها في الآخرة، بل ربما تَضُرُّ بهم، وتكون سبب شقائهم وعذابهم، و (أَل) في الإِنسان لشمول جميع الجنس بدليل الاستثناء الذي جاءَ بعدها: (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا) إلخ، والتنكير في (خُسْرٍ) قيل: للتعظيم، أي: في خسر عظيم، ويجوز أن يكون للتنويع، أي: نوع من الخسران غير ما يعرفه الإِنسان.
3 - (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ):
(إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) استثني المولى جلَّ وعلا من جنس الإِنسان الواقع في الخسران، واستثنى سبحانه الذين آمنوا بقلوبهم إِيمانًا صادقا ًخالصًا لله، وعملوا الصالحات بجوارحهم، فجمعوا بين صدق العقيدة وصدق العمل، وتجد في كتاب الله دائمًا قرن الإِيمان بالعمل الصالح؛ للإِشارة إلى أن الإِيمان بلا عمل كزرع بلا ثمر، قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا" (?) والذين آمنوا وعملوا الصالحات في تجارة لن تبور؛ لأَنَّهُم باعوا الفاني الخسيس واشتروا الباقي النفيس، واستبدلوا الباقيات الصالحات بالغاديات الرائحات، فيا لها من صفقة ما أَربحها، ومنفعة جامعة للخير ما أوضحها وأنجحها!! وهذا هو قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا