- رضي الله عنه - قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أَغنيت عن عمك؟ فإِنه كان يحوطك ويغضب لك قال: "هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ"، وفي البخاري أيضًا عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري أَنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عنده عمه: (لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ النَارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ) وتحدث مسلم عن ذلك في باب الشفاعة من صحيحة.
وقيل في معنى إِحباط عمل الكفار: إِنه لا ينجيهم من العذاب المخلد كأَعمال غيرهم، وهو معنى (هباء) في الآية الكريمة: "وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا" (?) وبظاهرها استدل قوم على حبوط جميع أَعمال الكافر لكفره، فلا ينتفع منها بشيءٍ، وادُّعي في شرح المقاصد الإِجماع على ذلك، ورده الآلوسي فقال: ودعوى الإِجماع على إِحباطها بالكلية غير تامة، كيف وهم مطالبون بالتكاليف في المعاملات والجنايات اتفاقًا، ولا شك أَنه لا معنى للخطاب بها إِلَّا عقاب تاركها، وثواب فاعلها، وأَقله التخفيف، وإِلى هذا ذهب العلامة شهاب الدين الخفاجي عليه الرحمة أ. هـ
ونقل عن التبصرة في شرح المشارق، وتفسير الثعلبي: أَن أَعمال الكفرة الحسنة التي لا تحتاج إِلى اشتراط الإِيمان: كإِنحاءِ الغريق، وإِطفاءِ الحريق، وإِطعام ابن السبيل، يُجْزَون عليها في الدنيا، ولا تدخر لهم في الآخرة كالمؤمنين بالإِجماع للتصريح به في الأَحاديث وعليه فالكافر يرى جزاءَ خيره في الدنيا في نفسه وماله وأَهله، ويعذب بِشَرِّه في الآخرة، والمؤمن يرى جزاءَ شرِّه في الدنيا بما يبتلى به ممَّا يكره، ويرى جزاءَ خيره في الآخرة، روي عن أَبي أَيوب أَنه صلى الله عليه وسلم قال له إِذ رفع يده: (مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ خَيرًا فجَزَاؤُه في الآخِرَةِ، ومَنْ عَمِلَ مِنكُمْ شَرًّا يَرَهُ فِي الدُّنْيَا مُصِيبَاتٍ وَأَمْرَاضًا، وَمن يكن فِيهِ مِثْقَالُ ذرةٍ من خَيرٍ دَخَلَ الْجَنَّة) وتقديم عمل الخير في الآية لأَنه أشرف القسمين والمقصود بالأَصالة، وليس في الآية تكرار؛ لأَن الأَول متصل بقوله: (خَيْرًا يَرَه) والثاني متصل بقوله: (شَرًّا يَرَه) والله أعلم.