5 - (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ):
ثم للتراخي، أَي: ثم كان عاقبة أَمره أَن جعلناه من أَهل النار الذين هم أَقبح من كل قبيح صورة، , أَسفل من كل سافل شكلا وتركيبًا، لعدم استقامة كل منهم على موجب ما خلقناه عليه من الصفات السوية، والصورة الحسنة التي لو عمل بمقتضاها لكان في أَعلى عليين، أَو ثم رددناه أسفل ممن سفل من أَهل الدركات، أَو ثم رددناه بعد ذلك التقويم والتحسين أَسفل ممن سفل هيئة وبنية حيث نكسناه في خلْقِه، فقوس ظهره بعد اعتداله، وابيض شعره بعد سواده، وكَلَّ سمعه وبصره، وتغير كل شيءٍ فيه، فمشيه دليف (?)، وصوته خفات (?)، وقوته ضعف، وشهامته خرف أَي: فساد عقل كما قال تعالى: "وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ" (?) وقوله تعالى: "وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ" (?).
6 - (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ):
أَي: ثم رددنا الإِنسان إِلى صورة مشوهة قبيحة في النار إِلا الذين آمنوا وجروا في عملهم على موجب تلك الصفات التي منحهم الله إِياها، ونشأَهم عليها، فإِنهم لا يردون أَسفل سافلين ولا تقبح صورهم يوم القيامة، وإِنما يكون لهم ثواب غير منقطع على طاعتهم وامتثالهم وشكرهم لله على نعمائه، يزدادون به بهجة إِلى بهجتهم، وحسنًا إِلى حسنهم، والاستثناءَ متصل من ضمير رددناه العائد على الإِنسان؛ فإِنه في معنى الجمع.
أَو المعنى: لكن الذين كانوا مؤمنين صالحين من الزمني والهرمي، فلهم ثواب متصل دائم، أَو غير ممنون به عليهم جزاءَ امتثالهم وصبرهم على الابتلاءِ بالشيخوخة والهرم، ومقاساة المشاق، والقيام بالعبادة مع ضعفهم ووهنهم.
أَخراج ابن أَبي حاتم عن ابن عباس أَنه قال في الآية: إِذا كبر العبد وضعف عن العمل كتب له أَجر ما كان يعمل في شبيبته.