طريق الشر، ويعلموا ويقصدوا طريق الخير ليقيهم الله لظى النار وسعيرها (وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى).
الجمهور على أَن هذه السورة نزلت في الصديق أبو بكر - رضي الله عنه - روى ذلك بأَسانيد صحيحة عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما، وعن عبد الله بن الزبير قال: كان أَبو بكر - رضي الله عنه - يعتق على الإِسلام بمكة فكان يعتق عجائز ونساء إِذا أَسلمن، فقال له أَبوه: أَي: بُنيّ أَراك تعتق أُناسًا ضعفاءً، فلو أَنك تعتق رجالًا جلداءَ يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك؟ فقال: أَبَتِ إِنما أُريد -أَظنه قال- ما عند الله.
وقال السدّي: إِنها نزلت في أَبي الدحداح الأَنصاري، وذلك أَنه كان في دار منافق نخلة يقع منها في دار يتامى في جواره بعض البلح فيأْخذه منهم، فقال له صلى الله عليه وسلم: "دعها لهم ولك بدلها محل في الجنة" فأَبى، فاشتراها أَبو الداحاح بحائطها فقال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: أَهَبُهَا لهم بالنخلة التي في الجنة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "افعل" فوهبها، فنزلت، والأَول هو الصحيح.
ولفظ الآية الكريمة وإِن كان عامَّا وهو قوله تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى) إِلخ فالصديق - رضي الله عنه - داخل فيها وأَولى الأُمة بعمومها، فهو مقدم الأُمة وسابقهم في جميع هذه الأَوصاف وسائر الصفات الحميدة؛ فإِنه كان صديِقًا تقيًّا كريمًا جوادًا بذَّالًا لأَمواله في طاعة الله، ونصرة رسوله، ولم يكن لأَحد عنده منَّة ولا نعمة يحتاج إِلى أَن يكافئه بها، ولكن كان فضله على السادات والرؤساء من سائر القبائل؛ ولهذا قال عروة بن مسعود -وهو سيد ثقيف- يوم صلح الحديبية: أَما والله لولا يَدٌ لك عندي لم أَجزك بها لأَجبتك، وكان الصديق -رضي الله عنه - قد أَغلظ له في المقال، فإِذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساءِ القبائل فكيف بمن عداهم؟