هذه السورة الكريمة مكية، وآياتها إِحدى وعشرون آية
لَمَّا ذكر -سبحانه- فيما قبلها (سورة الشمس) "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا" ذكر جل شأْنه في هذه السورة من الأَوصاف والنعوت ما يحصل به الفوز والفلاح، وما تحصل به الخيبة والخسران: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) إِلى قوله تعالى -: (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى) ففي هذه السورة نوع تفضيل لذلك، وبخاصة أَنه - جل وعلا - عقب بشيءٍ من أَنواع الفلاح وأَنواع الخيبة، وذلك من قوله: (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى ... ) إِلى آخر السورة.
1 - أَقسم الله -جلت قدرته- بنوع من مخلوقاته العظيمة التي يتجلَّى نفعها وتظهر فائدتها ويتضح جلالها لكل ذي عينين: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى). أَقسم سبحانه بذلك على أَن أَعمال الناس مختلفة في حياتهم، وأَن منها الخير والبر، ومنها الشر والفجور، وأنهم متفاوتون في درجات الخير، كما أَنهم متباينون في دركات الشر، وأَنهم مختلفون في الجزاءِ: ففريق في الجنة، وفريق في السعير (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى).
2 - بينت السورة طريق الخير بقوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى) إِلخ، وأَوضحت سبيل الشر بقوله: (وأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ... ) الآية، وحذرت من افتتان بعض الناس بما أَعطاه الله من المال، وأَبانت أَن ذلك لا ينفعه ولا ينجيه (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى).
3 - جاءَت السورة في نهايتها بنموذج للطالح الشقي: (الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) وبنموذج آخر للصالح التَّقي: (الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى) وذلك إِرشاد للناس ليبتعدوا ويميلوا عن