والمعنى: ينادي الله النفس المطمئنة، أَي: يقول الله لها (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ) الآية إِما دون واسطة إِكرامًا لها كما كلم موسى، وإِمَّا على لسان ملك، واستظهر أَن ذلك القول عند تمام الحساب، وقيل: عند البعث، وقيل: عند دخول الجنة، ويراد بها النفس الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا فزع يوم القيامة، المتوفاة على الإِيمان، المطمئنة إِلى الحق الواصلة إِلى ثلج اليقين وبرودته بحيث لا يخالطها شك، ولا يمازجها سخونة اضطرب القلب في الحق أَصلا، لأَنها إِذا وصلت إِلى معرفته - تعالى - حق المعرفةى اطمأَنت واستغنت به -سبحانه- عن وجودها، وسائر شئونها، ولم تلتفت إِلى ما سواه - جل وعلا - وذلك أَعلى مراتب الاطمئنان.
(ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ) أَي: إِلى محل عنايته - تعالى - وموقف كرامته - عز وجل - وإِلى ما أَعد لعباده في جنته، ولا يخفى ما في قوله -سبحانه-: (إِلَى رَبِّكِ) من مزيد اللطف (رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) أَي: راضية بما تعطاه من النعم الكثيرة، ومرضية عند الله بما عملت رضي عنها وأَرضاها.
29،30 - (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي):
أَي: فادخلي في زمرة عبادي الصالحين المخلصين وانتظمي في سلكهم، واستضيئي بضوئهم.
(وَادْخُلِي جَنَّتِي) أَي: مع عبادي، ويراد بهم الخواص كما قال تعالى: "وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ" (?) وكان الأَمر بالدخول في جملة عباد الله الصالحين إِشارة إِلى السعادة الروحانية لكمال استئناس النفس بالجليس الصالح. والأَمر بدخول الجنة إِشارة إِلى السعادة الجسمانية.