الفسوق والتمرد وذلك عند ذوي الفطر السليمة، والطبائع المستقيمة أما أن تكون عاقبة ومآل إكرام الله لكم هو النكران والجحود فذلك آية على دنس النفس، وخبث الطوية، وسوء السريرة، ولؤْم الطبع، وانحطاط الهمة، ولله در القائل:

إذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكتَهُ ... وإن أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تَمَرَّدَا

هذا، وقد روي أن أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب -كرم الله وجهه- دعا غلامًا له مرات فلم يجبه، فنظر أمير المؤمنين فإذا الغلام بالباب، فقال له: لِمَ لَمْ تجِبني؟ فقال الغلام: لثقتي بحلمك، وأمني من عقوبتك. فاستحسن جوابه وأَعتقه. ونقول: إن أغلب الظن أن أمير المؤمنين لم يستحسن جوابه وإنما أعتقه للؤمه وخسة طبعه، ولعله -كرم الله وجهه- أعتقه رغبة عن معاشرة من يقابل الإحسان بالكفران؛ إذ الطبائع السليمة والفطر المستقيمة يأسرها المعروف، ويملكها ويأخذ بأعناقها إسداء الخير وجميل الفعل.

(بل تكذبون بالدين): الكلام يشير إلى أن هنا جملة مقدرة، كأنه قيل: وأنتم لا ترتدعون ولا تنزجرون عن الاغترار بكرم الله، بل تجترئون وتسرعون بالهجوم على ارتكاب ما هو أشد منه وأعظم جرمًا حيث تكذبون بالجزاء والبعث، وفيه من الترقي والانتقال من الأهوان -وهو الغرور- إلى ما هو أفظع وأغلظ وهو التكذيب، أي: أنهم تجاوزوا الغرور إلى ما هو أدهى منه وأَمَرُّ.

وقال الراغب: (بَلْ) هنا لتصحيح الثاني -وهو تكذيبهم بالجزاءِ والحساب- وإِبطال الأَول -وهو الاغترار بكرم الله- كأَنه قيل: ليس هنا مقتض لغرورهم، ولكن تكذيبهم حملهم على ما ارتكبوه.

10 - (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ):

أي: تكذبون وتجحدون بالجزاءِ يوم القيامة والشأْن والحال أَن عليكم من قبلنا لحافظين لأَعمالكم لا يغادرون صغيرة ولا كبيرة إِلاَّ أَحصوها عليكم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015