عز وجل - كما قال الصديق - رضي الله عنه - لوفد بني حنيفة حين قدموا مُسْلِمين، وأَمرهم فَتَلَوْا عليه شيئًا من قرآن مسيلمة الكذاب الذي هو في غاية الهذيان والركاكة. فقال: ويحكم أين يذهب بعقولكم؟! والله إن هذا الكلام لم يخرج من إله. وقال قتادة: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) أي: عن كتاب الله وعن طاعته، وقال الزجاج: معناه فأَي طريق تسلكونه أَبْين من هذه الطريقة التي بينت لكم، وقال الجنيد: فأَين تذهبون عنا وإن من شيء إلَّا عندنا.

27، 28 - (إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) /

أي: ما هذا القرآن إلَّا ذكر لجميع الناس يتذكرون به ما وقر في قلوبهم من الميل إلى الخير، وإنما أنساهم ذكره ما طرأ على طباعهم من أَنواع السوء التي تحدثها أَمراض التقلب في الحياة (لِمَن شَاءَ منِكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ) بدل من العالمين، أَي: إنه ذكر يتذكر به من وجه إرادته للاستقامة على الجادة الواضحة، بملازمة الحق والعدل، وتحري الصواب، وأما من صرف نفسه عن ذلك ولم يرد إلَّا الاعوجاج والانحراف، فذلك الذكرُ لا يؤَثر فيه، ولا يخرجه عن غفلته هذا، وقد فرض الله على المكلف أَن يوجه فكره نحو الحق ليطلبه وأن يحفز عزمه إلى الخير ليكسبه.

29 - (وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ):

روي عن سليمان بن موسى والقاسم بن مخيمرة أنه لما نزلت (لمن شاء منكم أن يستقيم) قال أبو جهل: جعل الأمر إلينا، وإن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فأنزل الله تعالى: (وما تشاءون .. ) الآية.

أي: وما تشاءُون الاستقامة مشيئة نافعة لسبب من الأسباب، أو في وقت من الأوقات إلا أن يشاء الله تلك المشيئة المستتبعة للاستقامة، فإن مشيئتكم لا تستتبع الاستقامة بدون مشيئة الله تعالى، فهو سبحانه خلق العبد وأحاط علمه بكل ما يصدر عنه ويضمره من خير وشر، واستقامة وضلال وفق اختياره، وبدافع من مشيئته واستعداده فإن فعل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015