التفسير
27، 28 - (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا):
الاستفهام للتقريع والتوبيخ لأَهل مكة المنكرين للبعث بناءً على صعوبته في زعمهم، أَي: أَخَلْقُكُمْ بعد موتكم أَشق وأَصعب أَم خلق السماءِ على عظمها، وانطوائها على الأَعاجيب والبدائع التي يحار العقل في إِدراك كنهها؟! (بَنَاهَا): يضم أَجزائها المتفرقة بعضها لبعض بعد أَن خلقها بقدرته مع ربطها بما يمسكها حتى تكون بنية واحدة، وهكذا صنع -سبحانه- بالكواكب، ووضع كلا على نسبة من الآخر مع ما يمسكه في مداره التي كان منها عالم واحد في النظر سمى باسم واحد وهو السماء التي تعلونا، وعدم ذكر الفاعل فيه وفيما عطف عليه من الأَفعال للتنبيه على تعينه وتفخيم شأْنه -عز وجل- ما لا يخفى (رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا) بيان للبناءِ، أَي: رفع جرمها، وأَعلى قبتها وجعل مقدار ارتفاعها من الأَرض، وذهابها إِلى جهة العلو مديدًا رفيعًا، قال ابن كثير (?) أَي: جعلها عالية البناء بعيدة الفناء مستوية الأَرجاء، مكللة بالكواكب في الليلة الظلماء (فَسَوَّاهَا) بوضع كل جرم في موضعه حسبما اقتضته الحكمة، وقيل: فسواها بجعلها ملساء مستوية لا ارتفاع فيها ولا انخفاض.
29 - (وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا):
أَي: جعل الله ليلها مظلمًا؛ لأَنه يقال: أَغطش الليل، كما يقال: أَظلم، ونسبة الليل إِلى السماء لأَنه يكون بمغيب كوكبها وهو الشمس (وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا) أَي: وأَبرز نهارها، والضحى في الأَصل على ما يفهم من كلام الراغب: انبساط الشمس، وامتداد النهار، ثم سمى به الوقت المعروف، وشاع في ذلك وتجوز به عن النهار بقرينة المقابلة بالليل، وعبر عن النهار بالضحى لأَنه أَشرف أَوقاته وأَطيبها وفيه من انتعاش الأَرواح ما ليس في سائرها فكان أوفق لمقام تذكير الحجة على منكري البعث، وإِعادة الأَرواح إِلى أَبدانها، وإِضافة الضحى إِلى السماء لأَنه يحدث بسبب طلوع الشمس.