29 - (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا):
أَي: إِن هذه السورة بما فيها من الترتيب العجيب والنسق البديع والوعد والوعيد، والترغيب والترهيب تذكرة وموعظة للمتأَملين، وتبصرة للمستبصرين، فمن شاءَ وأَراد الخير لنفسه في الدنيا والآخرة اتخذ رسلك طريقًا إِلى ربه بالتقرب إِليه بما يحبه ويرضاه.
30 - (وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا):
أَي: لا يقع ما تريدونه ولا يتم ما تشاءُونه بإِرادتكم، فأَعمالكم التي لكم فيها الاختيار لا تتم ولا تقع وفق اختياركم لها، وإِنما ذلك مرهون وموقوف على مشيئة الله لذلك، فما شاءَ -سبحانه- كان وحصل، وما لم يشأْ لا يكون ولا يحدث، قال تعالى: "وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ" (?) وقال ابن كثير: لا يقدر أَحد أَن يهدي نفسه ولا يدخل في الإِيمان، ولا يَجُرّ لنفسه نفعًا إِلاَّ بمشيئته -تعالى-.
(إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) أَي: أَنه -سبحانه- حكيم في تدبيره يحيط إِحاطة تامة ويعلم علمًا كاملًا بمن هو أَهل لأَن يمنحه الهداية ويذلل له طريقها فييسرها له، كما يعلم -جل شأْنه- من ليس أَهلا لإِكرامه وإِنعامه -وقد اختار الضلالة وآثر المعصية- فييسر له سبيل الغواية، ويمهد له طريق الضلال، قال تعالى: "فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى" (?).
31 - (يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا):
هذه الآية كالمترتبة على ما سبق من قوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) أَي: أَن دخول الجنة يكون بمحض مشيئته وفضله ورحمته -سبحانه- وَأن تعذيب الله للظالمين من عصاة وكافرين يكون أَيضًا بعدل الله وإِرادته؛ فلا مكره له -سبحانه- وقد أَعد وهيأَ لهؤُلاءِ الفاسقين الظالمين عذابًا موجعًا شديد الإِيلام ينتظرهم وهو -جل شأْنه- لا معقب لحكمة ولا راد لقضائه وهو أَحكم الحاكمين.