50، 51 - (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ):
المعنى: تشبيه هؤلاءِ الكفار في فرارهم من الرسول وإِعراضهم عن القرآن واستماع ما فيه من المواعظ وشِرَادهم عنه ونفورهم من بحُمُر وحشية جَدَّت في نِفارها ممن طاردها من أَسد، أَو رَوَّعها من قانص، أَو أَفْزَعَها من صائد أَو حبالة، وقال ابن الأَعرابي وثعلب: القسورة أَول الليل، أَي: كأَنهم حمر وحشية فرت من ظلمة الليل، وجمهور اللغويين على أَن القسورة الأَسد -فَعْوَلَةٌ: من القسر، وهو القهر والغلبة، وروى ذلك عن ابن عباس كما روى عنه غير ذلك، وفي تشبيههم بالحمر مَذَمَّة ظاهرة وتهجين بيَّن لحالهم وشهادة عليهم بالبله وقلة العقل.
52 - (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً):
الآية معطوفة على مقدر يقتضيه المقام -كأَنه قيل: إنهم لا يكتفون بتلك التذكرة ولا يرضون بها، بل يريد كل واحد منهم أَن يُؤتَي قراطيس مفتوحة واضحة مكشوفة تنشر وتقرأ، أَو كتبًا كتبت في السماءِ ونزلت بها الملائكة عليهم ساعة كتبت منشرة ومبسوطة على أَيديها غضة رطبة لم تُطْو بعد.
وذلك أَن أَبا جهل وجماعة من قريش قالوا: يا محمد ائتنا بكتب من رب العالمين مكتوب فيها إِني قد أَرسلت لكم محمدًا -نظيره "وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه" (?)، وقال مجاهد: أَرادوا أَن ينزل على كل واحد منهم كتاب من السماءِ فيه من رب العالمين: إلى فلان بن فلان؛ يؤمر فيه باتباعك.
53 - (كَلاَّ بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ):
(كَلاَّ): ردع لهم عمَّا أَرادوا وزجر لهم عن اقتراح الآيات.
(بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ): لا أُعطيهم ما يتمنون لأَنهم لا يخافون الآخرة اغترارًا بالدنيا، وإِنما أَفسدهم عدم إِيمانهم بالآخرة وتكذيبهم بوقوعها؛ فلذلك يعرضون عن التذكرة ويفتَنُّونَ في طلب الآيات واقتراحها، وليس ذلك ناشئَا عن الامتناع عن إِيتاءِ الصحف وحصول مقترحهم كما يزعمون.