وذكر الله هو الصَّلاة والخطبة قبلها، والسعي إِليها عند الأَذان الأَول واجب، وقد أَوجب الله في الآية السعي إِلى الجمعة من غير شرط، وثبت شرط الوضوءِ بالقرآن والسنة في جميع الصلوات، لقوله تعالى: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) (?) وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور "أَما الغسل للجمعة فهو سنة وليس فرضًا لها، قال صلى الله عليه وسلم: "من توضأَ يوم الجمعة فيها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أَفضل" أَخرجه النسائي وأَبو داود في سننهما.
وفي صحيح مسلم عن أَبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضَّأَ يوم الجمعة فأَحسن الوضوء، ثم راح إِلى الجمعة فاستمع وأَنصت غفر الله ما بين الجمعة إِلى الجمعة وزيادة ثلاثة أَيام، ومنْ مسَّ الحصا فقد لَغَا" والمقصود بمسّ الحصا الاشتغال عن سماع الخطبة بأَي شاغل وإِن صَغُر، والمراد بكلمة (لغا) أَتى بما لا يليق بالاستماع للخطبة وأَضاع ثوابه، وقال صاحب المختار: (لغا) أَي: قال باطلا، والمراد منه في الحديث ما يشمل الكلام وغيره.
وقوله تعالى: (وَذَرُوا الْبَيْعَ) أَمر بتركه قُبَيْلَ خطبة وصلاة الجمعة، وتحريم له في وقتها، وكذلك الشراء، ولم يصرح به؛ لأَنه لا يخلو بيع من شراءٍ، فالنهي عن أَحدهما شامل لهما جميعًا، ومع كونهما محرمين عند الأَذان إِلى تمام الصلاة فإِنهما لا ينعقدان ويفسخ كلاهما، وأَجاز بعض العلماءِ البيع في الوقت المذكور، وحمل النهي على الندب، واستدل بقوله تعالى: (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) أَي: أَفضل لكم من البيع، وهذا هو مذهب الشافعي، وقال الزمخشري في تفسيره: إِن عامة العلماءِ على أَن ذلك لا يؤدي إِلى فسخ البيع؛ لأَن البيع لم يحرم لعينه ولكن لما فيه من الذهول عن الواجب، فهو كالصلاة في الأَرض المغصوبة: يعني أَنها تصح مع حرمتها ولا تسقط الجمعة لكونها يوم عيد، خلافًا للإِمام أَحمد فإِنه قال: إِذا اجتمع عيد وجمعة سقط فرض الجمعة لتقدم العيد عليها واشتغال الناس به عنها، واستدل على ذلك بما روي أَن عثمان - رضي الله عنه - أذِن في يوم عيد لأَهل العوالي أَن يتخلفوا