خلت من شهر ربيع الأَول فأَقام بها إِلى يوم الخميس وأَسس مسجدهم، ثم خرج يوم الجمعة إِلى المدينة، فأَدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، وكان المسلمون قد بنوا مسجدا، فجمَّع النبي صلى الله عليه وسلم بهم فيه، وخطب، وهي أَول خطبة خطبها بالمدنية، وقال فيها: "الحمد لله أَحمده وأَستعينه وأَستغفره وأَستهديه، وأُؤمن به ولا أَكفره، وأَعادي من يكفر به، وأَشهد أَن لا إله إلاَ الله وحده لا شريك له، وأَشهد أَن محمدًا عبده ورسوله وأَرسله بالهدي ودين الحق والنور والموعظة والحكمة على فترة من الرسل، وقلة من العلم وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان ودنو من الساعة وقرب من الأَجل، من يطع الله ورسوله فقد شكر، ومن يعض الله ورسوله فقد غوى وفرط وضل ضلالًا بعيدًا، أُوصيكم بتقوى الله فإِنه خير ما أَوصي به المسلم المسلم أَن يحضه على الآخرة .. " إلي آخر الخطبة، وهي خطبة عظيمة ومنهاج رشيد، فارجع إِليها في القرطبي في المسأَلة الثانية.
كان للرسول صلى الله عليه وسلم أَذان واحد للجمعة، فكان إِذا جلس على المنبر أذَّن المؤذن على باب المسجد فإِذا نزل صلى الله عليه وسلم أَقام المؤذن الصَّلاَة، وكان أَبو بكر وعمر على ذلك، حتى إِذا كان عثمان وكثر الناس وتباعدت المنازل، زاد مؤذنا آخر، فأَمر بالتأذين الأَول على داره التي تسمى زوراء، وتسمية لها باسم موضع مرتفع بسوق المدينة، فإذا جلس على المنبر أذان المؤذن الثاني، فإِذا نزل أَقام الصلاة، فلم يُعبْ ذلك.
ومن محاسن الأَذان الأَول بالزوراءِ، أَنه كان ينبه الناس إِلى ترك البيع والسعي لأَداء صلاة الجمعة وهو الآذان كذلك.
المراد من السعي المشي بدون إِفراط في السرعة، وقال قتادة: أَن تسعي بقلبك وعملك.
وقد اتسع العمران في هذا الزمان، فينبغي عدم انتظار الأَذان للسعي إِلى المسجد، وأَن يبكر المصلي، ليأخذ له مكانًا فيه قبل امتلائه بالمصلين بعد أَن يكون قد اغتسل وتطيب وتزين امتثالا لقوله تعالى: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ).