وأَخرج الإِمام أَحمد وغيره عن البراء بن عازب مرفوعًا: "أَوثق الإِيمان الحب في الله والبغض في الله"، ونعى الآلوسي على بعض المنتسبين إِلي بعض المتصوفة فقال: ومن العجب أَن بعض المنتسبين إِلي المتصوفة - وليس منهم ولا قلامة ظفر - يوالي الظلمة، بل من لا علاقة له بالدين منهم، وينصرهم بالباطل، ويظهر من محبتهم ما يضيق عن شرحه صدر القرطاس أهـ.
وقد زاد - سبحانه - النهي عن موادة من عادى الله ورسوله تاكيدًا بقوله: (وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) أَي: ولو كان من حادّ الله ورسوله آباء الموادين أَو أَبناءهم أَو إِخوانهم أَو من قبيلتهم التي ينتمون إِليها، ويستظلون بلوائها. وليس المراد بمن ذكر خصوصهم، وإِنما المراد الأَقارب مطلقًا.
وقدم الآباءَ لوجوب طاعتهم على الأَبناءِ ومصاحبتهم في الدنيا بالمعروف، وثنى بالأَبناء لقوة الارتباط في الدنيا بهم لكونهم أَكبادهم، وثلث بالإِخوان؛ لأَنهم المناصرون لهم، وختم بالعشيرة للاعتماد على أَفراد القبيلة والتناصر بهم بعد الإِخوان غالبًا (أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ) إِشارة إِلي الذين لا يوادون من حاد الله وروسوله وإِن كانوا أَقرب الناس إِليهم، وأَمسهم رحمًا بهم، وما في الإِشارة في معنى البعد في قوله - تعالى - (أُوْلَئِكَ) للتنويه برفعة شأنهم، وعلو قدرهم، وأُولئك كتب الله وأثبت في قلوبهم الإِيمان، ولَمَّا كان الشيء يراد أولًا ثم يقال ثم يكتب عبر عن المبتدأ بالمنتهى وهو الكتابة للتأكيد والمبالغة في اتصافهم به (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) أَي: قواهم بكتاب أَنزله، فيه حياة لهم وهو القرآن، أَو بروح من الإِيمان على أَنه في نفسه روح؛ لأَن به حياة القلوب، والمراد بالروح على هذا نور يقذفه الله في قلب من يشاء. تحصل به الطمأنينة، والعروج على معارض التحقيق.
وتسميته روحًا؛ لأَنه سبب الحياة الطيبة الأَبدية.
(وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) ذلك بيان لآثار رحمته - تعالى الأُخروية إِثر بيان ألطافه الدنيوية حيث يدخلهم من جنات باسقة الأَشجار طيبة الثمار. تَتَخلَّلُ أشجارها وتنساب بين قصورها أنهار جارية متدفقة تزيدها جمالًا وبهاءً، ماكثين فيها أبد الآبدين.