قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في قوم من المنافقين واليهود كانوا يتناجون بما يسيء المسلمين فأعلم الله أنه لا يخفي عليه ذلك، قال مجاهد: نزلت في اليهود، والنجوي: مصدر بمعني التناجي، وقال القرطبي نقلا من غيره: كل سرارٍ نجوي، وقيل: النجوي يكون من خلوة ثلاثة يسرون شيئا يتناجون به، والسرار ما يكون بين اثنين (?).
والمعني: ألم تعلم أيها الرسول أن الله تعالى يعلم ما في السموات وما في الأرض، من عناصرهما وما استقر فيهما، حتى المناجاة - أي: المسارة - فإنه يعلمها ويعلم المتسارِّين بها، ما يكون من مسارة بين ثلاثة إلا الله رابعهم بعلمه لا بحلوله معهم في مكانهم، فإنه - تعالى - لا يحل في مكان ولا يمر عليه زمان، وكل من الزمان والمكان من خلقه - تعالى - وما يكون من مسارة بين خمسة إلا الله سادسهم بعلمه، ولا أقل من ذلك كالاثنين والأربعة، ولا أكثر منه كالستة وما فوقها، إلا هو معهم بعلمه، فلا يخفي على الله من نجواهم شيء حيثما كانوا في ظاهر الأرض أو باطنها، فإنه علمه - تعالى - لا يتفاوت باختلاف الأماكن قربا وبعدا ثم يخبرهم بما عملوا يوم القيامة تشهيرا بما عملوا من هذه المسارة الخبيثة وسواها، وإظهارا لموجب عذابهم، وأن الله مطلع على كل شيء فلا تخفي عليه خافية، وهذه الآية تؤكد ما جاء قبلها من أنه - تعالى - يعلم الذين يحادون الله ورسوله، ويضعون أحكاما مخالفة لشرعه، وأنه تعالى سوف ينبئهم بما عملوه، ويجزيهم عليه، وخلاصة الآية أنه - تعالى - محيط بكل كلام، ومن ذلك أنه سمع مجادلة المرأة التي ظاهر منها زوجها، فإن قلت: لماذا اقتصر الله على الثلاثة والخمسة؟ فالجواب كما قال الفراء: المعني غير مصمود (?) والعدد غير مقصود لأنه تعالى إنما قصد وهو أعلم أنه مع كل عدد قل أو كثر، يعلم ما يقولون سرا وجهرا ولا تخفي عليه خافية، فمن أجل ذلك اكتفى بذكر بعض العدد دون بعض (?).