التكرار، قال الآلُوسيُّ: ولا يرد علي ما ذكره أن هذه الآية قد ذكرت بعد ما ليس نعمة، لما ستعلمه إن شاء الله في محله: ونحن سنبين ذلك - إن شاء الله تعالى -.
بينت هذه السورة أنه - تعالى - علَّم نبيه القرآن وأوحاه إليه، وأنه خلق كل إنسان وعلمه كيف يُعبِّر عن مقاصده ويبينها، وأنه سيَّر الشمس والقمر بحساب دقيق، بحيث لا يعتريهما خلل في ذاتهما أو في دورانهما، وأن النجم من النبات - وهو ما ليس له ساق، - والشجر - وهو ماله ساق - يخضعان لإرادته وتكوينه - تعالى - وأنه رفع السماء، وشرع الميزان ليقوم الناس بالقسط، وأنه جعل الأرض مقرًّا للناس، وأنبت لهم فيها أشجار الفاكهة وحبوب الطعام كالحنطة والشعير، وأنبت لهم مصادر العطر كالريحان، وأنه خلق الإنسان من طين جاف كالفخار، وخلق الجن من لهيب النار، وأنه رب المشرقين والمغربين، أنه أرسل البحرين - المالح والعذب - وجعلهما يلتقيان، ومع هذا لا يبغى أحدهما على الآخر فيبطل خاصيته وصفاته بحاجز وحائل من قدرة الله - تعالى -، وأنه يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، وسيأتي شرح ذلك بمشيئة الله - تعالى - وأن لله السفن الجارية في البحر، ولها قلاع مرفوعة كأنها أعلام - أي جبال - وأن كل من على الأرض فإن ويبقى الله ذو الجلال والإكرام، وأنه تعالى: له شئون كثيرة في خلقه كل يوم، فلذا يسأله من في السموات والأرض ما هم بحاجة إليه، وأنه - سبحانه - سيقصد مجازاة خلقه يوم الدين، وليس له شاغل يشغله عن ذلك، وهناك ينادى المنادي: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هربًا من الحساب والعقاب {فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} ولا سلطان لكم، فالملك يوم القيامة والحكم لله الواحد القهار، يُرسَل على الكفار يومئذ لهبٌ من النار فلا ينصر بعضهم بعضًا، فإذا انشقت السماء وانصدعت يومئذ، وكان لها لون أحمر كحمرة الورد، وكانت صافية كالدهن المذاب {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} لأن هذا وقت صدور أمر الله بعذابهم، بعد أن شهدت عليهم جوارحهم ورأوا ذنوبهم واضحة في كتبهم.