فكان عمر بعد ذلك إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يستفهمه. قال أبو مُلَيْكَة: وما ذكر ابن الزبير جده - يعني أبا بكر - فقد كان والد أُمه أسماء ذات النطاقين.
وسيأتي في أسباب نزول الآية التالية رواية تفيد أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال: (والله لا أرفع صوتي إلا كأخي السَّرار).
وهذه قد سبق مثلها في أسباب نزول الآية التي قبلها، فتكون قصة أبي بكر وعمر من أسباب نزول الآيتين، بل والآية التالية كما سيجيء - إن شاء الله تعالى - ويلاحظ على هذه الرواية أن الذي اقترح الأقرع بن حابس هو أبو بكر، في حين أن الرواية السابقة تفيد أنه اقترح تأمير القعقاع بن معبد، وأن الذي اقترح تأمير الأقرع بن حابس هو عمر.
وعلى أي حال فالواقعة صحيحة وإن اختلفت الروايتان في الشخص الذي اقترح كلاهما تأميره.
وروى الإِمام أحمد بسنده عن أنس قال: لمَّا نزلت هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ... ) إلى (وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)، وكان ثابت ابن قيس رفيع الصوت فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أُحْبِطَ عملي، أنا من أهل النار، وجلس في أهله حزينًا، فتفقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق بعض القوم إليه، فقالوا له: تفقَّدك رسول الله صلى الله عليه وسلم مالَكَ؟ قال: أنا الذي أرفع صوق فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم وأجهر له بالقول حَبِط عملي، أنا من أهل النار، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال. فقال: "لا، بل هو من أهل الجنة" قال أنس: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض الانكشاف، فجاء ثابت ابن قيس بن شماس، وقد تحنط ولبس كفنه وقال: (بئسما تقودُون أقرانكم، فقاتلهم حتى قتل). وجاءت قصته في الصحيحين عن أنس نحو هذه الرواية.
وقال عطاء الخراساني: حدثتنى ابنة ثابت بن قيس قالت: لمَّا نزلت (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ... ) دخل أَبوها بيته وأغلق عليه بابه، ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليه يسأل ما خبره؟ فقال: أنا رجل شديد الصوت، وأنا أخاف أن يكون حُبِطَ عملي، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ليست منهم بل تعيش بخير". قالت: ثم أنزل