والمعنى: ولقد كان في إهلاكنا فرعون وقومه أَن نَجَّينا بنى إسرائيل، وخلصناهم من الاستعباد والتسخير والعذاب الممعن في المهانة بقتل الأَبناء واستخدام البنات وغير ذلك مما كان يقع عليهم من فرعون ذلك الطاغية المتجبِّر المتناهى في الشدة، المسرف في صنوف الإجرام.
وفي التصريح باسم فرعون ما يشعر بأَن مجرد ذكره كاف في تصور ما يصدر منه من العنت والفساد، والتجبر والطغيان.
32، 33 - {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32) وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ}:
تضيف هذه الآيات إلى بني إسرائيل فضلا آخر زائدا على فضل إنجائهم من عذاب فرعون.
والمعنى: لم يقف أمرنا مع بني إسرائيل على تخليصهم من فرعون، بل اصطفيناهم واخترناهم عالمين استحقاقهم لذلك بما يصدر عنهم من العدل والإحسان، والفهم والإيمان بعد أَن استقام أَمرهم في أَواخر عهد موسى وفي عهد يوشع بعده، حيث فتح بهم أَريحا، وأَطاح بالشرك في هذا الإقليم، وغير ذلك من حسن السيرة، ولكنهم لم يحافظوا على هذه الاستقامة التي تأَدبوا بها بعد عقابهم في التيه أَربعين عاما، فبغوا في الأرض فسلط عليهم غيرهم، ومعنى {عَلَى الْعَالَمِينَ} أَي: عالمى زمانهم، فلا يلزم اصطفاؤهم على أُمة سيدنا محمَّد - عليه الصلاة والسلام - لقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (?) وقوله - تعالى -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (?).
وقيل: اصطفيناهم على العالمين بكثرة أَنبيائهم.
{وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ} أي: وأَنزلنا عليهم من المعجزات والبراهين كفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغيرها من الآيات ما فيه بلاء مبين