{أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} أي: أو يبعث الله - تعالى - ملكا رسولًا كجبريل - عليه السلام - إلى أنبيائه فيسمع الأنبياء صوت الملك، وتارة يرونه عيانًا في صورة بشر كما كان يتمثل جبريل - عليه السلام - لرسولنا - صلى الله عليه وسلم - في صورة أعرابي أو في صورة الصحابي الجليل دحية الكلبى وتارة أخرى كان يراه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في صورته الحقيقية. وقد يأتى الوحى دون رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - للملك وإنما يسمع عند قدومه دويًا أو صلصلة شديدة لا يعلم إلا الله كنهها وحقيقتها فيعتريه - صلى الله عليه وسلم - حالة روحية لا يدرك الحاضرون منها إلا أماراتها الظاهرة مثل ثقل البدن وتفصُّد جبينه الشريف عرقا. روى البخاري - رضي الله عنه - عن عروة بن الزبير - رضي الله عنهما - عن أم المؤمنين السيدة عائشة - رضي الله عنها - أن الحارث بن هشام سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحى؟
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس وهو أشد عليّ فيفصم وقد وعيت ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملكُ رجلًا فيكلمنى فأعِى ما يقول، قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - ولقد رأيته ينزل عليه الوحى في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينَهُ ليتفصَّدُ عَرقًا".
وتارة يسمع الحاضرون عند وجهه الكريم دويًّا كدوىّ النحل عند مجىء الوحى أخرج الترمذي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل الوحى يسمع عند وجهه كدوىّ النحل" {فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} أي: فيخاطب الملكُ الأنبياء بإذن الله وأمره ما أراد الله أن يبلغه لهم.
{إِنَّهُ عَلِيٌّ} أي: إن الله - جلت قدرته - متعال عن مشابهة الخلق أجمعين {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (?).
{حَكِيمٌ}: يجرى أفعاله على الحكمة وهي إصابة الحق على أكمل وجه، وخلاصة معنى الآية الكريمة: وما صح ولا استقام أن يكلم الله أحدا من خلقه إلاَّ على صورة من الصور