ومعنى قوله تعالى: (إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) أنه يمقت ويبغض البادئين بالظلم، والذين تجاوزوا الحد في الانتقام وفيه إشارة إلى أن الانتصار مظنة التجاوز وعدم الاعتدال عند أخذ الحق وبخاصة في حالة الغضب والتهاب الحمية فربما يجاوز المنتصر لنفسه حقه وهو لا يشعر وفي ذلك حَثٌّ على العفو والصفح:
41 - {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}:
المعنى: ولَمَنْ عاقبوا المعتدين بمثل ما اعتدوا به عليهم دون زيادة فهؤلاء ما عليهم من لوم ولا مؤاخذة ولا جُناح.
42 - {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}:
في هذه الآية تعيين لمن عليهم السبيل بعد نفيه عن المنتصرين بعد ظلمهم، والمعنى: إنما الحرج واللَّوم على الذين يبدءُون الناس بالظلم أو يزيدون في الانتقام ويتجاوزون حقهم ويتكبرون في الأرض بغير الحق، فهؤلاء لهم عذاب مُوجع شديد الإيلام.
43 - {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}:
المعنى: وأقسم لَمَن صبر على الظُّلم والأَذى وغفر ولم ينتصر لنفسه وتجاوز عن ظالمه وفوّض أمره إلى الله إنّ ذلك المذكور من الصبر والمغفرة لمن عزم الأُمور أي لمن الأمور الجادة العظيمة التي ينبغي للعاقل أن يُوجبها على نفسه ويلتزم بها؛ لأنها مطلوبة شرعًا وهي من الصفات الحميدة التي رغّب الشّارع فيها وأجزل لصاحبها العطاء، روى أحمد عن أَبي هريرة قال: "أن رجلًا شتم أبا بكر - رضي الله عنه - والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس فجعل النبي يعجب ويبتسم فلما أكثر ردَّ عليه بعض قوله، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلحقه أبو بكر، فقال يا رسول الله: إنّه كان يشتمنى وأنت جالس فلما ردَدْتَ عليه بعضَ قولِه غَضِبتَ وقمْتَ قال: إنهُ كان معكَ مَلَكٌ يردُّ عنك فلما رَدَدْتَ عليهِ بعض قولِه حضَرَ الشيطانُ فلم أكن لأَقعُدَ مع الشَّيطان".