لهم ولا يعتدون، ومعنى القصر المفهوم من قوله تعالى: (هُمْ يَنْتَصِرُونَ) أنهم هم الذين لا يتجاوزون الحد في أخذ حقوقهم، وغيرهم يعدو ويتجاوز، وهذا لا ينافى أنهم يعفون ويصفحون فلكل محله ومجاله.
فالعفو عن العاجز المعترف بجرمه وذنبه محمود، ولفظ المغفرة مشعر به، كما أَن الانتصار من المخاصم المُصِرّ المعاند محمود، ولفظ الانتصار مشعر به ولو جاءَ أحدهما موضع الآخر لكان مذموما كما يشير إلى ذلك قول الشاعر:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللَّئيم تمرَّدا
فوضع النَّدى في موضع السيف بالعلا ... مُضِرّ كوضع السَّيف في موضع النَّدى
وعن النخعى أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال: كانوا يكرهون أن يُذِلُّوا أنفسهم فيجترىء عليهم الفساق.
{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)}
المفردات:
(سَيِّئَةٍ): الخطيئة والذنب.
(سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا): سُمِّيت مقابلة السيئة سيئة لمشابهتها لها في الصورة, وقال الزمخشرى: لأنها تسوء من تنزل به.
(عَفَا): صفح عمن أَساء إليه.