يمنّ عليهم أيضًا - سبحانه وتعالى - بأَنه مُحيط علمًا بما خفى وظهر من أُمورهم، فيقدِّر بحكمته لكلِّ ما يصلحُ شأنه فيقول: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ... ) الآية.

سبب النزول:

قيل: نزلت هذه الآية في قوم من أهل الصُّفة تمنُّوا سَعَةَ الرِّزق والغنى، قال خباب بن الأرت: فينا نزلت، وذلك أننا نظرنا إلى أموال بني قريظة وبنى النضير وبنى قينقاع فتمنيناها فنزلت. (ذكره الزمخشرى والآلوسى).

والمعنى: ولو وسع الله الرزق على جميع عباده، وكَثَّره عندهم وأعطاهم فوق حاجتهم لطغوا وظلموا، وتكبروا في الأرض، وفعلوا ما يستتبعه الكبر من العلو والفساد "فإن الغنى مبطرة مأْشرة" وكفى بحال قارون عبرة (?) وفي الحديث: "أخوفُ ما أخاف على أُمتي زهرة الدنيا وكثرتها".

ولكن يُنزِّل الله الرزق بتقدير مُحكم، فيوسعه على من يشاء، ويضيِّقه على من يشاء تبعًا لما اقتضته حكمته وفي الحديث: "إن من عبادى من لا يُصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأَفسدتُ عليه دينَهُ، وإنَّ من عبادى من لا يُصلحه إلاَّ الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دِينَهُ".

وهو - سبحانه - محيط علما بما خفى وظهر من أُمور النَّاس، يعلم ما تصير إليه أحوالهم فيقدر بحكمته لكلٍّ ما يُصلح شأنه، ولو أغناهم جميعًا لبغوا، ولو أفقرهم جميعًا لهلكوا ولله درّ الغزالي حيث يقول: "ليس في الإمكان أبدع مما كان".

وقد يبْغِى الفقير ولكن ذلك قليل، والبغى مع الغنى أكثر وقوعًا.

28 - {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}:

ومن نعم الله وآلائه على عباده أنه هو الذي ينزل المطر في وقت حاجتهم وفقرهم إليه فيغيثهم به بعد يأس من نزوله، وينشر رحمة الغيث بتكثير منافعه وآثاره في كل شيء، وفي كلِّ مكان في السَّهل والجبل والنباب والحيوان - أو يعم الكائنات برحمته الواسعة المشتملة على ما ذكر من المطر وغيره , وهو وحده - الذي يتولى أمور عباده بالإحسان ونشر الرحمة، (الْحَمِيدُ): المستحق للحمد على ذلك - لا غيره -.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015