فيهما كيفما يشاء حسبما تقتضيه الحكمة، ولك أن تقول: إنه - تعالى - يتولى حفظ كل شيءٍ خلقه، فيكون ذلك إشارة إلى احتياج الأشياء إليه - تعالى - في بقائها، كما أنها محتاجة إليه - عَزَّ وَجَلَّ - في وجودها؛ فهو ربها ومليكها والمتصرف فيها، وكل تحت تدبيره، وقهره وكلاءته.
63 - {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}:
{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي: مفاتيحها كما قال ابن عباس، والحسن، وقتادة وغيرهم و (مَقَالِيدُ) قيل: جمع لا واحد له من لفظه، وقيل: جمع مقليد أو مقلاد، أي: مفتاح.
ومقاليد السموات والأرض مجاز عن كونه مالك أمرهما ومتصرفًا فيهما لعلاقة اللزوم، أو كناية عن القدرة والحفظ، قال البيضاوى: كناية عن قدرته - تعالى - وحفظه لها، وفيه مزيد دلالة على الاستقلال والقهر لمكان اللام والتقديم، ولم يقل: ويهلك الذين كفروا بخسرانهم كما قال سبحانه: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ ... } الآية للإشعار بأن العمدة في فوز المؤمنين فضله - تعالى - فلذا جعل نجاتهم مسندة إليه - تعالى - حادثة له يوم القيامة غير ثابتة قبل ذلك بالاستحقاق والأعمال، بخلاف هلاك الكفرة فإنهم قدموه لأنفسهم بما اتصفوا به من الكفر والضلال. ولذا لم يسند له - تعالى - على طريقة القرآن من إسناد الخير لله؛ لأنه أصل كل خير، ومنبع كل فضل، وإسناد الشر للناس بما كسبت أيديهم.
64 - {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ}:
أي: أبعد هذه الآيات الواضحات القاضية بعبادته - تعالى - وحده، تأمروننى أن أعبد غير الله - تعالى - فقد قالوا له - صلى الله عليه وسلم -: استلم بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك، وذلك لفرط جهالتهم، ولذا نودوا بعنوان الجهل.