في تدبير العالم مقصور عليه لا يتجاوزه، ولا يستطيع أَن ينزلَ عنه خضوعًا لعظمته - تعالى - وخشوعًا لهيبته - سبحانه - وتواضعًا لجلاله - جل شأْنه -.
والآية تشير إِلى أَنَّ الملَك لا يتعدَّى مقامه إِلى ما فوقه، ولا يهبط عنه إِلى ما دونه، قال مقاتل: هذه الثلاث الآيات {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} وما بعدها، نزلت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند سدرة المنتهى، فتأَخَّر جبريل، فقال النبي: أَهنا تفارقني؟ فقال: ما أَستطيع أَن أَتقدم من مكاني. وأَنزل الله - تعالى - حكاية عن قول الملائكة: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ... } إلى آخر الآيات.
165 - {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}:
أَي: وإِنَّا لنحن الصَّافون أَنفسنا في مواقف العبودية دائمًا، وقيل: الصافون أَقدامنا في الصلاة، وقيل: الصافون حول العرش ننتظر الأَمر الإِلهي، وأَخرج ابن أَبي حاتم عن الوليد ابن عبد الله بن مغيث قال: كانوا لاَ يَصُفُّون في الصلاة حتى نزلت {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}، وأَخرج مسلم عن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فُضِّلْنا على الناس بثلاث: جُعِلَت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجُعِلت لنا الأَرض مسجدًا، وجُعِلت لنا تربتها طهورًا إذا لم نجد الماء، وليس يصطف أَحد من أَهل المِلل في صلاتهم غير المسلمين".
وفي صحيح مسلم عن جابر بن سَمُرة قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في المسجد فقال: "أَلاَ تَصُفُّون كما تصفُّ الملائكة عند ربها، فقلنا: يا رسول الله، كيف تَصُفُّ الملائكة عند ربها؟ قال: يُتِمُّون الصفوف الأُوَل، ويتراصُّون في الصف". وقال أَبو نَضرة: كان عمر - رضي الله عنه - إذا أُقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه ثم قال: "أَقيموا صفوفكم، استووا قيامًا يريد الله بكم هَدْي الملائكة، ثم يقول: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} تأَخر يا فلان، تقدم يا فلان، ثم يتقدم فيكبِّر".