استئنافا يقرر قبح الشرك، ويصور قدرة الله - تعالى - الواضحة بذكر عظمته في حفظ السموات والأرض.
والمعنى: إن من مظاهر قدرة الله - تعالى - الجلية التي لا تنكرها عين، ولا يجحدها عقل، إمساك الله السموات والأَرض وحفظهما ومنعهما أن تنهدًّا، أَو تغيرا مسيرتهما زمانًا أو مكانًا؛ فإِن الممكن حال بقائه لا بد له من حافظ يحفظه، ولا يكون ذلك إلاَّ دائم الوجود - سبحانه - {وَلَئِنْ زَالَتَا} أَي: ولئن أَشرفتا على الزوال بشرك هؤلاء المشركين - ما أَمسكهما من أَحد بعد الله كائنا من كان، أَو بعد زوالهما.
وقوله - تعالى -: {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} معناه: إن الله - تعالى - عظيم الحلم واسع العفو، ومن جملة ذلك حلمه - تعالى - على المشركين، وتوبته على من تاب منهم مع عظم جرمهم المقتضى لتعجيل العقوبة لهم، وعدم إِمساك السموات والأَرض، وتخريب العالم الذي هم فيه، وكانتا جديرتين أن تهدا هدًّا؛ لشؤم معصيتهم كما في قوله - تعالى -: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} (?).
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال لرجل مقبل من الشام: "من لقيت؟ قال: كعبًا. قال: وما سمعته يقول؟ قال: سمعته يقول: إن السموات على منكب ملك قال: كذب كعبٌ، أَما ترك يهوديته بعد؟ ثم قرأَ هذه الآية:
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)}