وقوله - جل شأنه -: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (?).
ومثل ذلك ما ورد في الصحيحين مرفوعًا عن جابر قال: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلى: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأُحلت لي الغنائم ولم تحل لأحده قبلي، وأُعطيت الشفاعة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة" اهـ: ابن كثير، وفي الصحيح - أيضًا - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بعثت إلى الأسود والأحمر، قال مجاهد: يعني الجن والإنس، وقال غيره: يعني العرب والعجم، والكل صحيح، وقال محمد بن كعب في قوله - تعالى -: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} يعني إلى الناس عامة.
واعلم أن رسالته - صلى الله عليه وسلم - إلى الجن ثابتة في مواضع أُخَرَ وبخاصة في سورة الجن، وسيأتي الحديث عن ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
29 - {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}:
ويقول الكافرون من فرط جهلهم وعظيم غيهم استبعادًا لقيام الساعة، واستهزاءً باليوم الموعود للجزاء ثوابًا أو عقابًا - يقولون - متى هذا اليوم الموعود بالجزاء الأُخروي، إن كنتم صادقين في وعدكم به فأخبرونا، قالوا هذا مخاطبين رسول الله - صلي الله عليه وسلم - والمؤمنين به، والمراد بصيغة المضارع {يَقُولُونَ} الاستمرار التجددي، وقيل: عبر بها استحضارا للصورة الماضية لغرابتها، والأصل: (قالوا).
30 - {قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُون}:
أي: قل لهم - أيها النبي - صلى الله عليه وسلم -: لكم ميعاد يوم عظيم محدد فإذا جاء لا يؤخر ساعة ولا يقدم، ولما كان سؤالهم عن الوقت إنكارًا وتعنيتا لا استرشادًا جاء الجواب على طريق التهديد مطابقًا لمجىء السؤال، وهو أنهم مرصودون ليوم يفاجئهم فلا يستطيعون تأخرًا عنه ولا تقدما عليه، وهو يوم القيامة الذي ستبين الآيات التالية أحوالهم فيه.