وقولهم: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} وقول المشركين: الملائكة بنات الله، والأصنام شركاؤه تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرا، وكقول الذين يلحدون في آياته، والإيذاءُ بالنسبة لله تعالى فيه تجوز، لاستحالة حقيقة التأَذي في حقه جل وعلا.

وإيذاءِ الرسول هو قولهم: شاعر. كاهن. مجنون، وكسر رباعيته وشج وجهه الكريم يوم أُحد، وإلقاء السَّلى (?) على ظهره بمكة وهو ساجد، وغير ذلك ممَّا يؤذيه.

ويجوز أن يكون المقصود من الآية تعظيم ذنب من يؤذون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذكر إيذاء الله معه، والغرض من ذلك بيان قربه منه، وكونه حبيبه المختص به حتى كان ما يؤذيه - صلى الله عليه وسلم - يؤْذيه سبحانه، روى الإمام أحمد بسنده عن عبد الله بن مغفل قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهَ اللهَ في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا بعدي، فمن أَحبهم فبحبي أَحبهم، ومن أَبغضهم فببغضي أَبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أَن يأْخذه".

هؤُلاءِ الذين يؤذون الله ورسوله طردهم الله عن رحمته في الدارين بحيث لا ينالون فيهما (?) شيئًا منها. وهيأَ لهم مع ذلك عذابا بالغ الغاية في إهانتهم وإذلالهم يصيبهم في الآخرة خاصة.

وتنكير العذاب ووصفه بالإهانة، وكونه من إِعداد الله يؤْذن بأَنه فوق احتمالهم لشدته حيث قال سبحانه: {وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا}.

58 - {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}:

أخرج ابن جرير عن الضحاك عن ابن عباس قال: أُنزلت في عبد الله بن أبيّ وأُناس معه قذفوا عائشة - رضي الله عنها - فخطب النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وقال: من يَعْذرني في رجل يؤْذيني، ويجمع في بيته من يؤْذيني. فنزلت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015