التفسير
50 - {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ... } الآية:
اختلف العلماءُ في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} فمنهم من أولها بمعنى أبحنا لك أن تتزوج كل امرأة خالية تؤتيها مهرها سوى المحارم، ومنهم من أولها بمعنى أبحنا لك أزواجك الكائنات عندك؛ لأنَّهن قد اخترنك على الدنيا، وهذا هو رأْي الجمهور؛ وهو الظاهر، لأن قوله: {آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} ماض، ويؤيده ما قاله ابن عباس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتزوج في أَي الناس شاء، وكان يشق ذلك على نسائه، فلما نزلت هذه الآية وحرم عليه بها النساء إلَّا مَنْ سُمِّي سُرَّ نساؤُه بذلك.
وتقييد الإحلال بتعجيل صداقهن، ليس لتوقف الحل عليه، بل لإيثار الأَفضل له، كتقييد إحلال المملوكة بكونها مسبية بقوله: {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} فإن المشتراة لا يتحقق بدءُ أَمرها وما جرى عليها، وقد كان مهره لنسائه اثنتى عشرة أُوقية ونَشًّا، والأُوقية كانت أربعين درهما، والنشُّ: نصف الأُوقية، فيكون مهر الواحدة منهن خمسمائة درهم، إلاَّ أم حبيبة بنت أبي سفيان، فقد أمهرها عنه النجاشى - رحمه الله - أَربعمائة درهم، وإلا صفية بنت حيي بن أَخطب، فقد اصطفاها من سبي خيبر ثم أَعتقها، وجعل عتقها صداقها، وكذلك جويرية بنت الحارث المصطلقية، أَدى عنها كتابتها إلى ثابت بن قيس بن شماس وتزوجها، فإنها قد خرجت في سهمه من سبايا بني المصطلق فكاتبته عن نفسها، وذهبت إلى الرسول - صلى الله عليه وسام - تستعينه على كتابتها، فقال لها الرسول - صلى الله عليه وسلم -: أَقضي عنك كتابتك وأَتزوجك، فقالت: نعم يا رسول الله، قال: قد فعلت. {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} أي: وأَبحنا لك التسري مما أَخذت من غنائم الكفار، وقد ملك صفية وجويرية فأَعتقهما وتزوجهما، وملك ريحانة بنت شمعون النضرية، ومارية القبطية أُم ابنه إبراهيم، ومعنى {مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ}: مما رده الله عليك من فيءِ الكفار من السراري، والغنيمة قد تسمى فيئًا، والسراري مباحات للنبي - صلى الله عليه وسلنم - ولأمته مطلقًا، وأَما الزوجات فمن غير قيد للرسول